أدت التحولاتُ الدراماتيكية في آسيا إلى إضعافِ مواقع القطاعات العامة المسيطرة خلال عقود، التي نشأت معها الأنظمةُ الشموليةُ الحديثة، وأتاحتْ تلك التحولات صعود شخصيات لا ترتكز على الأفكار الشمولية بكل تجلياتها الدينية والعقائدية الجامدة، لكن في روافد صغيرة مخنوقة بسبب الميراث الديني الشمولي الطويل والميراث السياسي الاستبدادي “العريق”!
شخصيات مثل موسوي وكروبي وعلاوي وقيادات بعض الأحزاب المصرية والسودانية وغيرها، عبرت عن ظاهرات جديدة في المنطقة، أهمها انها تسبحُ في ضباب فكري، كأنها مجموعةٌ من الأشباحِ تتردد بين القديم والجديد، غير قادرة على الظهور بمظاهر سياسية وفكرية واضحة مبهرة.
وفي البلدان المفتتة طائفية وقوميا التي لا تمتلك أغلبية شعبية لمذهبٍ أو قومية، لا تُستثمر العناصرُ الديمقراطيةُ والليبرالية في إنتاجِ سياسةٍ نهضوية ديمقراطية، فتجد الزعماء الطائفيين يتقلبون من وجهةِ نظرٍ إلى وجهةِ نظرٍ مضادة، ويهرولون من معسكر إلى آخر، ليس لديهم من حراك سوى”حماية” الطوائف أو قلْ حماية مصالحهم داخل الطوائف الجامدة العائشة في تقاليد غيرِ ديمقراطية وفي عوالمِ الجهل والتخلف الاجتماعيين واضطهاد النساء والركض وراء المصالح والغنى مهما كانت الأسباب يبيعون الدينَ والمبادئ، ويقومون باستغلالِ لُعَب الطوائف لبقاء كراسيهم وأحزابهم الديكورية وهذه الكهوف المعتمة من القرون الوسطى ويضحكون على هؤلاء البسطاء الجهلة.
الحراكُ السياسي هنا حراكُ فقاقيع تطير حسب الرياح اليومية السياسية.
ودعك من الكلمات الضخمة عن الاشتراكية والقومية والإسلام والوطن العزيز فهي مجردُ لافتات تخفي الفقر السياسي المبدئي وراءها.
أما قوى الزعماء المرتبطة بالقوى الوسطى التي بدأت تطلُ برؤوسها داخل بلدان تجري فيها معارك اجتماعية وسياسية عميقة وحادة كإيران والعراق ومصر وغيرها، فقد دخلت في صراعات متباينة مع أنظمة دكتاتورية وجهت أهدافها لتحقيق تحولات ديمقراطية عميقة في حياة السلطات المهيمنة الرافضة للتغيير الحقيقي، التي تواصل أبنية القرون الوسطى واعتقال الشعوب والنساء والعقول تحت لافتاتٍ لم يُنزل بها من سلطان سوى سلطان الاستئثار والتحكم في الشعوب المتخلفة وإبقائها في هذه الزرائب التي صنعوها بأسماء الاشتراكية والأوطان المبجلة والإسلام والقومية وقيادة الثورة المظفرة والدفاع عن الأمة ضد الكفر والتغريب، وما هنالك من مسميات اخترعوها لتضليل العوام السذج عقوداً طويلة.
دساتيرٌ خُيطتْ على مقاسات الأقزام، وظلمات صوروها كالأنوار، وما هي بأنوار بل حروب اجتماعية متخلفة تتفجر ذات يوم بأشكال دموية مدمرة.
لا يريدون الالتحاق بالبشرية الديمقراطية ولا يرفعون أحكامَ الطوارئ عن النساء والعوام والدين، ولهذا فإن قيادات الطبقات الوسطى التي تقفُ أرجلُها على قواعد اجتماعية هشة، هي نفسها لا تعلن الشعارات العظيمة من علمانية وديمقراطية وعقلانية، بصلابة وبتحليلات عميقة في كل شؤون المجتمع لتضرب الخرائبَ الآيلةَ للسقوط، فتختطفُ حدثا سياسيا مهما وتحوله لنهر سياسي يتلف حوله الناس، بلا ثقافة تنوير سياسية واسعة، وبلا مهمات اجتماعية كبرى، لضخامة الجور المحيط ولغياب أساطير العائلة الوطنية الواحدة، والمذهبية الشقيقة المتحدة.
موسوي يركز في تغيير مجرى الانتخابات المزورة، وعلاوي يكاد يختنق بين القوى الطائفية العريقة في التحايل والتلاعب بالدين والأحزاب الديمقراطية المصرية تغرقُ في الفساد.
إن الخطابات السياسية التجديدية مخنوقة لأن المصانع الخاصة مخنوقة، والفضائيات الحرة ممنوعة، والوزارات الفاسدة أبدية، والميزانيات موجهة لكراسي العسكر، وللبذخ السلطوي، ومشروعات الحروب التي لا تتوقف لأن في توقفها زوالهم، وفي سلام الناس عمارا يخنقهم.
العملية الرأسمالية الكونية ذات الأشكال والمستويات المختلفة، لها مصائبها كذلك، ويواجه الشرقيون سلبيات البلدان الرأسمالية المتطورة وكوارث الرأسماليات الشرقية المتخلفة، وكلها تصبُ عليهم محولةً بلدانهم إلى مستنقعات للسلع البائرة، والغالية، وللجنس الأبيض والمخدرات ولتجارة المنظمات الإرهابية التي لا أحد يعرف أرباحها من الأموال ويعرفُ خسائرَها من البشرِ الجثثِ الملقاة في الطرق مثل الذبائح وللحكومات التي تغتني وتزداد الشعوب فقراً ومعاناةً.
هي الشعوبُ الجاهلةُ المفككة طائفيا ودينيا مسئولةٌ عن كل ذلك وتترك الجزارين يقطعون من لحومِها كالمقاصب وتقول هل من مزيد؟
صحيفة اخبار الخليج
4 ابريل 2010