على مدى الأسبوعين الماضيين انشغلت البحرين بملفين لازالت تفاعلاتهما محل حراك اجتماعي وسياسي، وهما ملفا الفساد والتحقيق في أملاك الدولة وملف الحريات العامة وقضية الانفتاح بشكل عام، وهذا الأخير كان محط اهتمام كبير من قبل قطاع واسع من كبار التجار والمستثمرين وغرفة تجارة وصناعة البحرين ومجاميع واسعة من المواطنين والمقيمين في البحرين، وقد تمثلت تلك الجهود في زيارات واجتماعات متواصلة مع القيادة السياسية والسلطة التشريعية، وربما كان البيان المشترك الذي صدر عن صاحبي السمو الملكي رئيس الوزراء وولي العهد، بدعم الحريات ومزيد من الانفتاح بمثابة الحافز الذي شجع مجاميع كبيرة للمطالبة كل بحسب موقعه للحفاظ على سقف الحريات وحالة انفتاح مسؤول يستدعي عدم التراجع والإقدام على خطوات غير مدروسة، وكان صوت التجار والمستثمرين وما يمثلونه من مؤسسات مالية وتجارية هو الصوت الأبرز، وهذا أمر طبيعي ومتوقع على أية حال، حيث اظهر القطاع التجاري والصناعي حيوية كبيرة ربما نشهدها للمرة الأولى تجاه ما يدور في هذا الشأن، نرجو أن تستمر مستقبلا في العديد من الملفات ذات الشأن الوطني العام نظرا لما يمثله التجار من دور وما ينتظرهم من مهمات في عهد الانفتاح والإصلاح، كما أننا نرجو أن تكلل تلك الجهود بتوافقات وطنية تضع مصلحة الوطن أولوية قصوى لا تقبل التهديد والمساومة، بعيدا عن الارتجال والتخبط أو حتى مجرد القبول بتغليب المصالح الوقتية أو قصر النظر السياسي والاجتماعي، كما يحصل كثيرا بكل أسف حين تعاطي بعض الأطراف مع قضايانا الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى الجانب الآخر كان ملف الفساد والتحقيق في أملاك الدولة حاضرا وبقوة، نظرا لما يمثله هذا الملف من أهمية بالغة بالنسبة لكل أبناء البحرين من الأجيال الحالية واللاحقة أيضا، كون الأملاك العامة للدولة هي جزء رئيس من الأموال العامة وثروات هذا الوطن، وبالنظر إلى حيثيات التعاطي البرلماني مع هذا الملف الهام، فانه من الإنصاف القول أن لجنة التحقيق البرلمانية التي أرى أنها عملت في ظروف صعبة للغاية طيلة أكثر من تسعة وعشرين شهرا، تستحق التقدير على ما قامت به من عمل هو باعتراف أعضاء اللجنة لا يمثل إلا جزءا من كم مهول من الوثائق والخرائط والبيانات التي تاه بل ضاع جزء كبير منها بين التسجيل العقاري وبين وزارتي العدل والمالية، في سجال كشف بوضوح حجم التجاوز والتعدي على الأملاك العامة الذي أملته ظروف غياب الرقابة طيلة أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وفي هذه الجزئية بالذات، طرحت ندوة المنبر الديمقراطي التقدمي يوم الأحد الماضي والتي كانت تحت عنوان “أملاك الدولة.. مقاربة لملفات الفساد” وتحدثت فيها شخصيا إلى جانب رئيس جمعية الشفافية المهندس عبد النبي العكري، طرحت تساؤلات عدة تسترعي الانتباه بالفعل، مفادها.. ماذا لو تم الأخذ بمقترح كتلة الشعب في المجلس الوطني في العام 1973 الخاص بتسجيل كافة أملاك الدولة والحفاظ عليها؟.. هل كانت الأمور يا ترى ستصل إلى ما وصلت إليه من ضياع لتلك الثروات والأراضي والسواحل والفشوت والتي من الصعب تقدير قيمتها الحقيقية في ظل تقادم الزمن وتفاوت القيمة الحقيقية لها؟ بل هل أن أهميتها تكمن فقط في قيمتها السوقية؟ في الوقت الذي نشهد تعارضا في الخطاب الرسمي بين جهة وأخرى حول شح الأراضي أو وفرتها؟! ففي حين يعلن وزير المالية أنه لا توجد أزمة أراض في البحرين نجد أن خطاب وزارة الإسكان يتحدث باستمرار عن أزمة حقيقية في الأراضي مما راكم بدوره أكثر من 50 ألف طلب إسكاني تجد الدولة اليوم صعوبة كبرى في التعاطي معها.
وعلى العكس من تعاطي الحكومة، فان تعاطي القوى السياسية مع هذا الملف جاء موفقا من حيث عرض المشكلة بكل تفاصيلها أمام الرأي العام بغية الوصول إلى حلول لهذا الملف الذي أعتقد انه سيبقى مؤلما للجميع نظرا لتفاصيله المريعة، في حال لم يتم التوصل إلى حلول أو حتى توافقات بشأنه ، والذي نأمل بأن لا يخضع كغيره من الملفات الكبرى لأي نوع من المساومات لحرفه عن مساره الطبيعي، بل إلى حلول عملية تراعي زخم الإصلاح وشروطه ومتطلباته من قبل الأطراف جميعها، وقبل ذلك مراعاة جانب مهم احسبه بيضة القبان في كيفية تعاطي الدولة والقوى السياسية مع نهج الإصلاح ذاته، وهو هنا عامل الثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع على قاعدة المصالح والحقوق الدستورية والقانونية، بحيث يجب عدم إغفال ذلك في خضم أي تنازلات أو مساومات ربما ترتئيها بعض أطراف اللعبة.
صحيفة الايام
4 ابريل 2010