في إحدى الجلسات مع أصدقاء السفر كنا نتحاور عن البحث لتوصيف المدن في جمل قصيرة أو كلمات مقتضبة ؟ فكان اتفاقنا عن إن مدن العالم في السياحة كالنساء ، مثلما النساء كالمدن أيضا ، ولا نود فهم هذا التشبيه على طريقة الأغبياء ، حينما يفهمون المرأة سلعة سياحية أو المدن من وجهة النظر تلك ، إنما النظر للنساء بعمق وقيمة إنسانية مهمة في كل المجتمعات ، فهي تحمل من معنى الغموض والتنوع والجاذبية والخداع والفضيلة والسحر والكمون والبساطة والصبر والانفتاح والشفافية ، والابتسامة والغضب والعناد والكبرياء والتمنع والرغبة والرفض ، فكلاهما المدن والنساء يجعلان تلك الحقيقة تتلاقيان ، ليس من السهل فهمها – المدن – من زيارة واحدة ، بل ومن السهل كالسهل الممتنع فهمهن أحيانا – النساء – بكل سهولة والعكس كذلك فهن عالم من الألغاز والغموض ( عفوا للجمعيات النسائية !! ) . فإذا ما كان الإنسان هو العالم ، فان النساء هن مدن هذا العالم ، حينما نراقب عمق المحيط بدلا من السباحة فوق مياه ضحلة .
لهذا حال أن نقرر السفر إلى بلد ما لا يمكننا إلغاء فكرتين من رأسنا كيف ستكون رحلتنا لهذا البلد ؟ وهل أهل ذلك البلد سيكونون بجمالية وروح الأمكنة المصورة كالفنادق والشواطئ وكل ما يمكن ممارسته من خداع بصري في الصور السياحية ؟ . وكيف بإمكاننا أن نفصل حالتين متداخلتين الإنسان والمكان في العملية السياحية ؟ وكيف نوصل للسكان ثقافة التعامل مع ضيوفك ، فكل سلوك طيب له اثر جماعي على المجتمع وكل سلوك سيئ صغير كفيل بهدم عمارة من ثقافتك وسمعتك كشعب ووطن . كنت شيّدتها لوقت طويل ، وكما يقال إن البناء يستغرق وقتا وان الهدم لا يحتاج إلا ساعات. هكذا السلوك الصغير السيئ يضر بسمعة شعب كامل لأن طبيعة البشر تحب التعميم والحكم المستعجل ، فيما السلوك الحميد والطيب ، فالكلمة الطيبة صدقة بمعناها الديني والأخلاقي والحضاري . فهل نحن بحاجة لترويج تلك الثقافة بين الناس أم فقط للموظفين عند واجهة الكونتر في فندق بخمسة نجوم ؟ من البديهي إن الفندق بمثل تلك الدرجات قد دّرب موظفيه على تلك الخصلة اللازمة كربطة العنق والابتسامة ، فهما تتلازمان مع تلك الشخصية التي نلتقيها ونحن مجهدين من السفر وثرثرة التاكسي التي لم تكن مفيدة ، مثل أشرطته التي صدّع بها رأسنا دون أن يسألنا ماذا نحب ؟ وهل الصوت يزعجنا لكي يخففه ، في الوقت الذي كان مثل ذلك السلوك هو بمثابة الدرس الأول لرجل التاكسي ، الذي في الأساس لا يجوز أن يزعج زبونه . وإذا ما كانت المؤسسات السياحية معنية بتأهيل موظفيها ، فان الناس الذين سيتعاملون ويلتقون بالسياح كضيوف في البلد ، ومصدر هام لدخلها الوطني ، عليهم أن يقدموا لهم يد المساعدة بكل أريحية حينما يطلبونها ، بدلا من الشعور بان مثل هؤلاء قيمة مزعجة لثقافته وطبعه ومزاجه ، وعلينا أن نلحظ ونهتم بأن السائح القادم من ثقافات متنوعة وخبرات شتى ، تدور عينه في كل الجهات ويقتنص كل صغيرة وكبيرة ، دون أن ندرك ذلك، وهو سيكون لبلادنا في بلاده ’’ دعاية مجانية ’’ تلقائية الطابع حينما يتحدث عن تلك البلد التي زارها ، في أرخبيل الخليج اللؤلئي ، وتعرف على عراقة تاريخه القديم وفكره الحداثي أيضا . ليس التاكسي وحده من يغش في البلدان السياحية ، إذا ما غاب عن بصره القانون والتنظيم والتكافؤ في الفرص ، وفهم دوره ليس كسائق أجرة وإنما كمواطن صالح يعتز ببلده ويهمه سمعتها ، فلا احد يحب أن يسمع صفات لشعبه وبلده بأنها ’’ بلد حرامية ’’ مثلا أو غيرها من تلك الجمل السيئة ، ولكنه سيقبلها ، وان كان على مضض ، عندما يقولون له هناك في البحرين ’’ بعض من الحرامية ’’ لذلك ستكون الصدمة اخف علينا جميعا . لا نريد أن نخدع أنفسنا بأمثلة من نموذج في كل بلد مقبرة وغيرها من التشبيهات ’ وإنما علينا أن نجعل مقبرتنا كالحديقة أولا ثم نلتفت للأمور الأخرى وهو أفضل أنواع التفكير بدلا من التشبث بالسلبيات ومقارنتها مع سلبيات بلدان أخرى ونقول ونردد عبارة ’’ على الأقل نحن أفضل من حرامية بلدان الواق واق ’’ بدلا من أن نقول يجب أن نكون مثل سويسرا وسنغافورة .
ولكن لا أريد أن يضحك مني القارئ ، فانا أيضا أطالب من يريدوننا أن نصبح مثل الآخرين كالمرآة الجميلة والناصعة ، أن نرتب سنغافورتنا وسويسريتنا الرطبة ، بعذوبة قلوب الناس وطيبتهم وكياستهم وأمانتهم في الشارع قبل الفندق ، في المكان العام قبل المطار . كل ذلك ممكن متى ما تم إعطاء الجميع حقا في العيش الكريم ، لصاحب التاكسي الذي يعيل عائلة من عشرة أشخاص ، ولشركة تمتلك ملايين نست أن السوق الوطنية لا ينبغي تحويلها إلى بحيرة حيتان في محيط هائج وكل ذلك بسبب الجشع ورغبة الإثراء السريع ، كأي مشروع اقتصادي وطني عام . إن على الجميع أن يفهم إن الكعكة الوطنية لا بد وان توزع حصتها – بشكل قانوني عادل – كأي مجتمع رأسمالي قائم على الفوارق – دون أن تجعل من الحقد والكراهية الطبقية سببا لتصدعنا الاجتماعي والوطني ، خاصة وإننا نشكو من مرض الطائفية البغيض ، ومنع كل سلوك قد يؤدي إلى هذا التفسير والتفكير ، فان المؤسسات التي تنخرط في خدمة المواصلات ، عليها أن تفكر بروح جماعية وطنية وفهم شمولي ، بأن مجال السياحة اقتصاده يهم الجميع إنجاح رسالته ، قبل أن يكون خصوم المهنة هم أول من يهدمون أعمدتها بوعي أو دون وعي .
ما حدث من أخطاء مع السفينة التي رست في ميناء خليفة ، قد يتكرر في أشكال أخرى ، بين أطراف عدة في البلاد تتعامل مع ضيوف يأتون مرة وقد لا يأتون للأبد بعدها ، ولكننا بالإمكان كسبهم عندما يقولون إن في هذا البلد ’’ شعب طيب ’’ وسنتحدث عن تلك المفردة ’’ الشعب ’’ والتي قالها سياح أجانب عن قبرص في استبيان سياحي لزائر جاء إلى الجزيرة أكثر من 25 مرة طوال حياته . هل نحتفظ بهذا النوع من السياح ؟ سنناقش الأمور بهدوء وليقبل منا الجميع النقد والتوضيح بما فيهم علية القوم وبسطاؤهم !!
صحيفة الايام
4 ابريل 2010