المنشور

شموع لعرائس الإلهام !

تمضي كل يوم بين عشر إلى اثنتي عشرة ساعة وحدها في غرفة للكتابة، لا تتحدث مع أحد ولا تتلقى مكالمات هاتفية.
ومن خلال هذا التدريب اليومي الطويل والمضني اكتشفت الكثير عن نفسها وعن الحياة. إنها تقوم بتسجيل ملاحظات طوال الوقت، وتحتفظ بدفتر في حقيبتها، وحينما ترى أو تسمع شيئا مُثيراً تقوم بتسجيل ملاحظة، وتأخذ مقتطفات من الجرائد ومن أخبار التلفزيون، وتكتب قصصا يرويها لها الناس، وحين تشرع في كتاب ما تحضر كل تلك الملاحظات لأنها تلهمها. وبدون تخطيط مسبق تبدأ الكتابة مباشرة على الحاسوب مُتبعةً في ذلك إحساسها. حين تقوم بتطوير شخصية ما تبحث عادة عن شخص يمكن أن يكون نموذجاً لها، وإذا كان هذا الشخص حاضراً في ذهنها، يصبح من السهل بالنسبة لها أن تخلق شخصية مقنعة.
الناس، برأيها، مركبون ومعقدون وهم نادرا ما يظهرون كل الجوانب المتعلقة بشخصياتهم، وعلى الشخصيات الروائية أن تكون كذلك أيضاً.
تلكم هي إيزابيل الليندي، الروائية التشيلية الشهيرة التي تمتن إلى حكايات ألف ليلة وليلة التي اكتشفت فيها الفنتازيا والايروسية، لكنها تقول أيضا إنها تأثرت بأعمال الكتاب الكبار في أمريكا اللاتينية وبالروائيين الروس والانجليز وبالكتب الموجهة للناشئة التي قرأتها في طفولتها.
تقول انه يراودها شعور بأنها لا تخترع أي شيء، وإنها بطريقة ما تكتشف أشياء موجودة هناك، ووظيفتها هي العثور عليها وإحضارها إلى الورقة، لان الإنسان حين يمضي ساعات طويلة متواصلة، كالساعات التي تمضيها هي، في الصمت وحيدا يصبح بوسعه أن يرى العالم. إنها تتخيل إن الناس الذين يتأملون لساعات طويلة أو الذين يبقون وحيدين في مكانٍ ما سينتهي بهم الأمر لسماع أصوات وإبصار رؤى، لأن الوحدة والصمت يخلقان الأرضية لذلك.
الكتابة، كما ترى، تشبه عملية التدريب لكي تصبح رياضيا. هنالك الكثير من التدريب والعمل اللذين لا يراهما أحد لكي تكون قادرا على المنافسة.
الكاتب بحاجة لأن يكتب كل يوم، تماماً كما يحتاج الرياضي للتدريب. الكثير من هذه الكتابة لن يستخدم أبداً، ولكن من المهم القيام به، لذا فإنها تنصح طلابها الشباب بأن عليهم كتابة صفحة واحدة جيدة كل يوم، وفي نهاية العام سيكون لديهم 360 صفحة جيدة، وهذا يشكل كتابا.
في الثامن من يناير عام198، وكانت في الأربعين من عمرها بالضبط، تلقت مكالمة هاتفية تخبرها إن جدها الحبيب يحتضر، وبدأت في كتابة رسالة إليه أصبحت فيما بعد روايتها الأولى:»بيت الأرواح».
منذ ذلك العام داومت على العادة نفسها . في الثامن من يناير من كل سنة، الذي بات يوما مقدسا لها تحضر إلى مكتبها في الصباح الباكر وحيدةً، تُوقد بعض الشموع للأرواح وعرائس الإلهام. تتأمل بعض الوقت ثم تشرع في كتابة الجملة الأولى لروايتها الجديدة وهي في حالة من الغشية .
إنها تتعاطى مع المشاعر، لذا فإنها معنية بتلك الأشياء المهة في حياة المرء، والتي لا تحدث إلا في الغرف السرية للقلب!
 
صحيفة الايام
3 ابريل 2010