«في ندوة صغيرة عن المحبة
سمعته يقول:
السيد الوطن
وكلنا بنوه الفقراء
مهما تطل أو تقصر الطريق
فلن نكون الخاسرين دائماً…
يجيء يوم أبيض في قمة الزمن
نكون فيه ما نكون».
(الشاعر البحريني علي عبدالله خليفة)
*****
تذكرت هذه الأبيات لشاعرنا الكبير علي عبدالله خليفة، والتي كنت أحفظها عن ظهر قلب من سبعينات القرن الماضي عندما كنت أتابع وقائع الانتخابات العراقية ونتائج أرقامها الأولية، حيث بيّنت عدم حصول اليسار العراقي، والقصد، قائمة «اتحاد الشعب»، على الأصوات الكافية لتبوء أي مقعد في البرلمان المقبل… وحين خرج «المتشمتون» بنتائج القائمة في بعض المقالات مثل «عدم صلاحية الحزب الشيوعي العراقي في هذه المرحلة نتيجة فشله في هذه الانتخابات»، أو ينبغي تبديل التسمية لهذا الحزب، فيما ذهب آخرون من خارج الحزب إلى المطالبة بـ»تنحي حميد مجيد موسى» السكرتير العام للحزب، وكأن هذه الانتخابات نهاية العالم، ويكفي أن يساريي العراق غير مشمولين بـ»الاجتثات»، وأسماؤهم ليست مدرجة ضمن الممنوعين بالدستور العراقي، ولا توجد دعوة واحدة عليهم بتهم الفساد والرشوة، أو مساندة الإرهاب والميليشيات وعصابات الإجرام، ولم تسجل على وزيرهم قضية رشوة أو متاجرة بالمال العام، وكذلك على نوابهم ووكلاء الوزارات من أعضائهم، ولم «تحج» قيادتهم، لا إلى «قم»، ولا إلى الرياض، أو اعتصمت أمام السيد السيستاني، أو في مسجد الأمويين في دمشق، أو طلبوا مالاً من عمان أو أنقرة، أو استخدموا المال السياسي، أو المال العام في دعايتهم الانتخابية التي شاركوا فيها رغم معارضتهم للقانون الانتخابي السيئ الذي يسرق الكبار فيه أصوات الناخبين للكتل الصغيرة، الذين لم يصوتوا لهم في الأصل لضيقهم من التعددية البرلمانية.
قائمة اتحاد الشعب التي حصل مرشحوها على أكثر من خمسين ألفاً من الأصوات في النتائج الأولية، وحصل موسى على نحو عشرة آلاف صوت، وهي نتيجة جيدة من الأصوات لكنها لم تصل إلى عتبة التأهل للحصول على مقعد للبرلمان، بينما حصل الآخرون دون الألف من الأصوات ومنحوا مقعداً في مجلس النواب، في مفارقة عجيبة، فقط لأنهم من القوائم الكبيرة بعد تدوير أصواتها، ليس وحدهم من شكك في نزاهة هذه الانتخابات، بل حتى الكتل الكبيرة: قائمة علاوي والمالكي شككتا بالتناوب عندما كانت نتائجهما تتأرجح بين المتقدم والمتأخر، بداية شكا علاوي.. فسكت لتقدمه، وأقر المالكي بوجود خروقات «لكنها ليست كبيرة ولا تستدعي إعادة الفرز»، وعند تراجعه، صارت الخروقات كبيرة، وطالب بإعادة الفرز لـ»اطمئنان» الناخب على صوته، وانضم الرئيس جلال طالباني هو الآخر للمنادين بإعادة الفرز، إضافة إلى قائمة «أحرار» بزعامة رجل الدين العلماني إياد جمال الدين، وقائمة «وحدة العراق» بزعامة وزير الداخلية جواد بولاني، ثم قائمة حزب الأمة بزعامة مثال الآلوسي، يضاف إلى ذلك كله جبهة التوافق وآخرين.. وخلاصة القول هل كل هؤلاء يزعمون بعدم نزاهة الانتخابات أم أن الانتخابات هذه «مزوّرة بشكل نزيه؟».
اليسار العراقي قبل التحدي وشارك في الانتخابات رغم قانون الانتخابات الجائر، وعدم وجود قانون الأحزاب، وقانون تحديد الصرف على الإعلانات الانتخابية، ونزلت قائمة اتحاد الشعب إلى الشارع بمشروعها الانتخابي الذي لا تخجل من كونها مدافعة عن الكادحين وشغيلة اليد والكر، والأدب والشعر والمسرح والثقافة التنويرية وهي تحصد تنامي نشاطها وسط الشباب والشابات وسمعة نوابها ووزيرها ووكلاء الوزارات، وأطلقوا حملتهم للتواصل مع جماهيرهم بأساليب «قديمة ومبتكرة» عن طريق طرق الأبواب والعيادة الطبية المتنقلة لخدمة الفقراء، وهي سمات من سماتهم، دون أن يرتهنوا إلا لعراقيتهم، ولأنهم لا يملكون، فقد خسروا معركة، لكنهم لم يخسروا الحرب إلى النهاية.. وكما قال شاعرنا «لن نكون الخاسرين دائماً»، فمن يتسلح بالوعي لا تستطيع أية قوة تغييبه.
صحيفة الوقت
2 ابريل 2010