حدثَ نمو كبيرٌ في الثقافة الأدبية خاصة في المملكة العربية السعودية، وبدت هي التجلي العقلاني للحداثة فيها، وأُنجز أكثر الأشكال الفكرية والإبداعية فيها.
ويبدو ذلك في مجالِ الروايةِ خاصةً التي حدثتْ فيها طفرةٌ تشكيليةٌ واسعة، لكن العديدَ من نصوصِ هذه الروايات هي مجردُ سردِ أحداثٍ، ووضعُ شخوصٍ من دون ربط هذه الأحداث والشخصيات بهياكل عظمية من تجربة شعبية ديمقراطية.
بسبب ان هذه التجربة الوطنية الواسعة التحديثية لم تتشكل على مستوى التكوين الشعبي، فالمناطقُ متباعدةٌ والأقاليمُ غيرُ متداخلةٍ، والتوحيدُ يجري عبر هياكلِ الدينِ والمؤسسات الحكومية، لكن هذه الثقافة التنويرية التحديثية التي تنصب في وسائل الإعلام الحديثة الواسعة، تقومُ ببعضِ ذلك رغم كل هذا التباعد.
إن هذه الثقافةَ الأدبيةَ التي حركها وقادها بعضُ الأعلام مثل غازي القصيبي وتركي الحمد وغيرهما، وفرت مثل هؤلاء الموسوعيين الذين يكتبون في شتى حقولِ الأدب والسياسة والاقتصاد والفن، لكون المجتمع يحتاج لمثلِ هذه الروافد، ولأن أشكالَ الوعي لم تزلْ في مرحلةٍ جنينية، لكنهم عبر هذا أوجدوا حراكاً واسعاً بين الأجيال الشابة نساءً ورجالاً اندفعوا للكتابة والقراءة، والإنتاج خاصة في موضة المرحلة التي هي الرواية.
الحراكُ الواسعُ كان عبر أشكالِ الأدب، وبشعاراتِ النهضة والتحديث، وبإدخال الأفكار العقلانية في وعي الجمهور الواسع، خاصة عبر (زخم) الصحافة الذي ظهرتْ بشكلٍ واسع، وللعديد من الحريات في النشر والتعبير والحوار.
إذا جئنا للتجسيد الروائي والنماذج التي هي شواهد هذه المرحلة الملموسة، نجدُ المادةَ الشعاريةَ والهياكلَ الفنيةَ التعبيرية الروائية التي لا تحوي تجارب عميقة، إلا من بعض الأعمال القليلة، رغم كثرة العناوين، خاصة من خلال هذا الانهمار الواسع للنصوص غير الناضجة التي لا تسبقها تجارب تعبيرية كافية وتجربة اجتماعية مهمة.
لدى بعض الشباب توقعنا نمواً تعبيرياً وحفراً في الواقع كما فعلَ أحدُ كتابِ الحجاز الذي تخصص في تجارب البدو، وتجسيد مشكلاتهم وحوادثهم المتشابكة والمتضادة مع الحداثة ومع الحياة ومشكلاتها، لكنه في عمل أخير كتب عن تجربة مدنية مفككة لا تحفر في شيء!
إن الاستسهال للرواية والنشر الواسع السهل قد يؤدي إلى إحجام الجمهور عن مثل هذه الرواية، وإحباط الكتاب فيما بعد، كما جرى للشعر.
ثمة خوف من التعبير عن السياسي الاجتماعي العميق وثمة هروب للجنس وللفضائح والأسماء المثيرة تعبيراً عن اقتناص شعبية سهلة وشهرة سريعة وقراء!
عبده خال كان مميزاً في عمله الأول(الموت يمر من هنا) الذي حفر في تجربة جنوب الحجاز، ثم بعد ذلك لم نقرأ له تجربة ملفتة كبيرة بمستوى عمله الأول.
في رواية(الطين) مثلاً نقرأ تداعيات سهلة لطبيب مجنون يعرض مشاكل الفلاحين من دون تماسك للهيكل الروائي،(أقرأ عن ذلك بالتفصيل في كتاب تجارب روائية من الخليج والجزيرة العربية للمؤلف، وكالة الصحافة العربية، ص 47 – 52).
كثافة المادة التي يعرضُها عبده خال عن الحياة الشعبية مرتبطة بحياتهِ الشخصية المريرة، فقد رأى الموتَ في منطقتهِ ورأى السيولَ وهي تحملُ بعضَ الجثث، وعاشَ أمراضاً صعبة، وترجرجَ بين الحياة والموت طويلاً، وحُبس في تعليم الأطفال عقدين من السنين، فهي تجربةٌ قاسيةٌ مريرةٌ ولا شك!
لكن تلك المادة الشعبية لا تدخل الهياكل الروائية وتغنيها بالصراع، ثم هو بعد ذلك يخرجُ من هذه الصراعاتِ ويتوجه لأشياء أخرى هامشية كما في روايته التي فاز عليها بجائزة البوكر كما يقول العديدُ من النقاد العرب الذين قرأوا الرواية.
الثقافة الروائية والأدبية عامة في السعودية تتوجهُ لمختلفِ أشكالِ العروضِ التمهيدية، وتقدم ثقافة جماهيرية، وتجلب مواد ومشكلات شعبية جزئية، لكنها لا تتجاوز ذلك لتأصيل الرواية والفنون خاصة، والغوص في المشكلات العميقة وعرض نماذج وطنية عريضة.
هذا بطبيعة الحال يتطلبُ أعمالاً نقدية مواكبة لهذه التجارب الطموح التي لا شك تنشئ (زخماً) وتعبر عن شعبٍ حيوي ناهض في مختلف المجالات.
صحيفة اخبار الخليج
1 ابريل 2010