غداة انهيار الاتحاد السوفيتي عُلق إعلان بحجمٍ كبير لإحدى منتجات المشروبات الغازية الأمريكية الشهيرة في ساحة بوشكين في العاصمة الروسية بالقرب من التمثال الشهير للشاعر بوشكين الذي يعده الروس رمزاً للأدب والثقافة في روسيا، لا بل وللروح الوطنية الروسية عامة.
أحد كبار الكتاب الروس استهجن، في حينه، الأمر، متسائلاً عما إذا يكون يجوز إلحاق الأذى بهذا الرمز الكبير من خلال هذا الإعلان.
لكن الأمر أبعد من أن يكون مجرد رأي لكاتب يمكن أن يوصف بالتعصب القومي، إنه يتصل تحديداً بانبعاثات الروح الوطنية وتعبيراتها الثقافية حين تجد أنها مهددة من قبل نموذج طاغٍ آت إليها من سياق آخر.
يذهب الصحافي المعروف توماس فريدمان إلى أن أفضل طريقة لضمان تحقق السلام في العلاقة بين دولتين، هو أن يقام في كل منهما فرع من مطاعم ماكدولاندز، مـما يعنـي ضـمــناً أن الحــرب لا يمـكن أن تنشأ بين دولـتين يوجــد لديهما فروع لهذه المطاعم، فيما الحرب ممكنة جداً بين دولتين توجد في احداهما مثل هذه الفروع، فيما لا توجد في الدولة الأخرى.
والحديث هنا لا يدور عن «ماكدولاندز» إلا مجازاً، فالأمر يتصل بما يوصف بـ «نمط الحياة الأمريكي» الذي ما أن يسود، على نحو ما يذهب فريدمان، حتى يعم الرفاه والسلام.
لكن الكاتب النابه جلال أمين عقب على هذا الزعم متسائلاً: ماذا لو دار الحديث عن شركتين تنتجان الهمبرغر، دخلت إحداهما ولتكن ماكدولاندز مثلاً إلى بلد، فيما دخلت الشركة الثانية بهمبرغر معدل أو مختلف إلى البلد الثاني، وعلى الرغم من أن الماركتين تمثلان زمن العولمة وروحه، ألن تقع الشركتان في تنافس وتناقض؟ ألن تنشأ تبعاً لذلك مصالح متضادة لابد وأن تفصح عن نفسها سياسياً، وربما عسكرياً في ظرفٍ من الظروف؟
مصدر وجاهة هذا السؤال هو حقيقة أن الحرب ليست سوى استمرار للسياسة أو تجلٍ لها في صورة عنيفة، خاصة في حال كون كل «سندوتش» من «السندوتشين» ينتمي إلى دولة قوية لها جيش كبير وجهاز مخابرات له من القوة ما للدولة ذاتها. أليست الحروب في نهاية المطاف عائدة لأسباب النفوذ والسيطرة الاقتصادية؟
لسنا بصدد هجاء العولمة، التي هي نتاج تطور موضوعي طويل لتدويل الاقتصاد وأنماط السلوك، وهد جدران العزلة بين الدول والمجتمعات لتوكيد العالمية، وإنما بصدد دعوة للنظر إلى الحضارة الإنسانية بصفتها حضارة واحدة لكن بروافد متعددة، مع ملاحظة أن قضية الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم الحضاري تأخذ في ظروف العولمة تجليات مختلفة لها، يتعين على القوى ذات التوجه الأممي تشخيصها، وتطوير أساليب النظر اليها.
صحيفة الايام
1 ابريل 2010