هجرة العقول او الادمغة من المشكلات التي تعاني منها الدول العربية وتمثل هجرة الكفاءات العلمية الى الدول الغربية اخطر انواع الهجرات على تطور وتقدم المجتمعات العربية.
حول هذه المشكلة كتب «سمير التنيّر» في كتابه «الفقر والفساد في العالم العربي» موضحاً ان هجرة الادمغة مشكلة مزمنة ونتيجة لعوامل متعددة سياسية واقتصادية وعلمية اتسعت هذه الظاهرة كثيراً في العقدين الاخيرين.
تحدث «التنيرّ» عن هذه القضية بموضوعية اذ يعتقد ان الارتباط الوثيق بين هجرة العقول والعولمة متسق مع نزعتها الاحتكارية. فكما ادت العولمة الى تزايد هجرة رأس المال المادي بحثاً عن اكبر عائد استثماري ايما كان كذلك ادت الى تزايد هجرة رأس المال الفكري الى حيث يتاح له اكبر فرصة لاستثماره.
ما هو واقع هذه الهجرة بالارقام؟ وما هي الاسباب التي ادت ولاتزال تؤدي الى هجرة الادمغة العربية؟
ثم ما هي النتائج والتداعيات؟
اسئلة توقف عندها لاعتبارها اسئلة جوهرية ولا سيما اذا ما اردنا معرفة أبعاد هذه الظاهرة الخطرة من حيث آثارها السلبية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.
وهنا يتوقف قائلاً: ان تقارير التنمية البشرية التي اصدرتها الجامعة العربية ومنظمة العمل العربية والامم المتحدة تشير الى ان المجتمعات العربية اصبحت بيئة طاردة للكفاءات العلمية الى الخارج وتشكل هجرة الادمغة العربية 31 بالمئة فهناك اكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا او الفنيين المهرة يعملون في البلدان المتقدمة، وتضم امريكا واوروبا 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا، وان 34 بالمئة من الاطباء الاكفاء في بريطانيا من الجاليات العربية، وان مصر وحدها قدمت في السنوات الاخيرة 60 بالمئة من العلماء والمهندسين المصريين الى الولايات المتحدة، وكانت مساهمة العراق ولبنان 15 بالمئة وشهد العراق ما بين اعوام 1991 – 1998 هجرة 7351 عالماً تركوا بلادهم بسبب الحصـار الـدولي الذي كان مفروضاً على العراق آنذاك.
ومما له اهمية هنا تحليله لأسباب هذه الظاهرة التي تدفع الادمغة في الدول العربية الى الهجرة من بينها التقدم التكنولوجي الذي يحققه الغرب فهو غير موجود في البلاد العربية، ضعف وانعدام القدرة على استيعاب اصحاب الكفاءات الذين يجدون انفسهم اما عاطلين عن العمل او لا يجدون عملاً يناسب اختصاصاتهم، ضعف المردود المادي لاصحاب الكفاءات وانعدام التوازن في النظام التعليمي او فقدان الارتباط بين انظمة التعليم ومشاريع التنمية، عدم الاستقرار السياسي او الاجتماعي والاشكالات التي تعتري الانظمة العربية والتي تؤدي في بعض الاحيان الى شعور اصحاب الخبرات بالغربة في اوطانهم او تضطرهم الى الهجرة سعياً وراء ظروف اكثر حرية واكثر استقراراً وفضلاً عن ذلك البيروقراطية الادارية وانظمة الخدمة المدنية وبعض التشريعات والكفالات المالية التي تربك اصحاب الخبرات وهناك ايضاً اسباب شخصية فردية.
وبالاضافة الى كل هذه الاسباب ينتقل الى الواقع السياسي الذي هو في الاساس عنصر مهم من عناصر هجرة الادمغة العربية فما هو هذا الواقع؟
يقول: «ان غالبية البلدان العربية تعاني من اضطرابات سياسية وحروباً اهلية تطال اول ما تطال اهل العلم والثقافة والمعرفة وان مناخ القمع السائد فيها يسرع من هذه الهجرة، حيث ان الباحث يحتاج الى مناخ الحرية في البحث والتحقيق والابتكار ولاتزال بعض الانظمة العربية تتعاطى مع الارقام بحساسية شديدة وتعتقد انها تستهدف نظام الحكم وبالتالي تمنع نتائج الابحاث والدراسات خوفاً ان تؤثر نتائج تلك الابحاث في الوضع السياسي السائد، وبالاضافة الى ذلك تدخل رجال الدين.
الخلاصة كما يقول بان لا امل في احداث تنمية عربية مستدامة دون توافر اهم عناصر بنيتها التحتية ألا وهو العنصر البشري ولا سيما عماله المهارات العليا. ولذلك لابد من وضع استراتيجية عربية تقوم على اساس مبدأ المشاركة في الموارد وتوفير الحوافز المادية لاستبقاء اصحاب المهارات والعلماء في البلدان العربية.
صحيفة الايام
27 مارس 2010