في الحياة مجموعة من المرايا، فأنت لا تكاد تنهض من سريرك صباحاً حتى تواجهك مرآة الحمام. صورتك في المرآة صورة لنومك البارحة. إن نمت سعيداً مرتاحاً فستجد ملامح النضارة والتورد على وجهك، وإن نمت تعيساً مرهقاً ستطالعك الظلال السوداء تحت جفني العينين وشحوب الوجه وسوء المزاج.
قبل أن تخرج من بيتك ستلقي نظرةً أخيرةً على هندامك في مرآة أخرى بجوار الباب، قبل أن تجد نفسك أمام مقود سيارتك محاصراً بسلسلة من المرايا، واحدة أمام عينيك مباشرة وثانية على يمينك وثالثة على يسارك، كأنها تريد تذكيرك بأن مساحة أو دائرة رؤيتك محدودة، وأنه لا سبيل لك بالذهاب بدونها.
وأذكر أني قرأت تحقيقاً صحفياً منذ سنوات في إحدى المجلات عما تحتويه الحقيبة اليدوية للمرأة، وأن النساء اللواتي شملهن التحقيق كشفن عن تفاصيل لا تخلو من الاختلاف في محتويات حقيبة كل منهن، لكن الجميع أجمعن على وجود مرآة صغيرة، لأن المرأة تريد التيقن بين فترة وأخرى من أناقتها.
هذه نماذج من المرايا في معناها المباشر. هناك مرايا أخرى مجازية إن جاز القول. فنحن مثلاً نسمع أو نقرأ أن الأدب أو الفن مرآة الواقع، أو أن المسرح مرآة الإنسان. حتى التلفزيون هو مرآة أخرى نرى فيها أشياء من حياتنا ومن سلوكنا. وفي الفكر والسياسة هناك مرايا، البعض يجد في الماضي المجيد مرآته، والبعض الآخر يجد الغرب مرآة له.
وقد يحدث أن تجد مرآتك في شخص آخر قريب إليك وعزيز على قلبك. بعض الآراء تقول أن القلوب تتآلف إذا كان أصحابها متنافرين في الطباع، لا أظن أن ذلك صحيح، فما يشدك إلى من تُحب هو القربى الروحية والعاطفية والوجدانية التي تكاد توحدك فيه كأنكما روحين في جسد واحد.
يقال أن الإنسان اهتدى للمرآة أول مرة حين أبصر وجهه على سطح ماء شفاف. وتتحدث الأسطورة القديمة عن الفتى الجميل: نرجس المهووس بجمال صورته حيث كان يستهويه التحديق ساعات طويلة في صورته المعكوسة على سطح الماء. أمثال نرجس هذا كثيرون للأسف الشديد في الحياة، ممن يظنون أنفسهم قرناء الكمال والصواب والجمال، لذا تتفشى أشكال الزيف والمظاهر الخادعة الكذابة.
وما دمنا في ذكرى المرايا فدعونا نختم بحكاية أوردها شاعر عن والي حذرته عرافة شيطانية من الموت إن هو لم يستشر الرعية في أمور الولاية. خوفاًَ من الموت دعا الوالي وجهاء وأعيان القوم للمشورة، انتظر الرجال بفارغ الصبر دخول الوالي عليهم حيث اجتمعوا، ولما وصل أخرج مرآة من جيبه، وحدث بإعجاب في صورته ثم سأل الصورة المشورة، ولما أجاب شكرها، وكسرها «مخافة أن يعودها على حق الكلام»!
صحيفة الايام
27 مارس 2010