على خلفية الانشغال البرلماني الأخير في التعاطي مع ما بات يعرف بمنع المسكرات، من المفيد التذكير بأن بيع هذه المسكرات في البحرين منذ عقود عدة لم يجعل من البحرينيين أقل ايماناً أو تمسكاً بدينهم وعباداتهم، ولم يجعل سلوكهم مضرب المثل في الجريمة والانحلال الخلقي أو العدوانية.
وليس الناس في البلدان التي يريد النواب أن يجعلوا البحرين صورة منها أكثر إيماناً والتزاماً بالعادات والقيم، فشعب البحرين الذي تشكلت شخصيته في مناخ من الانفتاح والتسامح وقبول الآخر، شعب معروف بأريحيته وحُسن معشر أبنائه ودماثة أخلاقهم، ولم يؤد وجود المسكرات في الفنادق أو محلات البيع إلى انحلال أخلاق البحرينيين أو تفسخها، فالناس لا تزحف زرافات إلى الحانات، وما زالت المساجد ودور العبادة، كما كانت وستظل، عامرة بالآلاف المؤلفة من الناس، الذين لا يلهيهم اللهو عن دينهم.
من جهة أخرى فان القرار الذي ذهب إليه مجلس النواب بهذا الصدد، في حال وجد طريقه إلى التطبيق لن يمنع، بأي حال من الأحوال، تداول المسكرات بطرق غير قانونية، ولن يحول دون الراغبين فيها في الوصول إليها، والدليل على ذلك ما تعرفه بعض البلدان المجاورة، عربية وغير عربية، التي لم تؤد قوانين منع تداول أو بيع الخمور فيها، إلى الحيلولة دون تداولها في السوق السوداء وانتشار تصنيعها في البيوت، أو تهريبها من وراء الحدود، مع ما يترتب على ذلك من نشوء مافيات تهريب متنفذة تجني ذهباً من وراء ذلك.
والأدهى من هذا كله انتشار تجارة أشد فتكاً وهلاكاً من المسكرات هي تجارة المخدرات بأنواعها، وما تجره من أهوال على الشباب، وما تلحقه بالصحة النفسية للمجتمع من كوارث، والعياذ بالله، ولا نحسب إنسانا عاقلاً، نائباً عن الشعب كان أو رجل دولة، يمكن أن يدفع بمجتمعه نحو الهلاك، فتحت ذريعة درء خطر ما، يتسبب في جلب مخاطر أكبر.
في نهاية الفصل التشريعي الثاني، وعشية الانتخابات القادمة أظهر نوابنا الذين لم يتفقوا على ملف اجتماعي أو معيشي أو سياسي من شأنه تطوير العملية الإصلاحية في البلاد وتحسين معيشة الناس إنهم قادرون على الاتفاق على قضية مثل هذه، ليتباهوا بها أمام ناخبيهم كما لو كانت انجازاً ما بعده انجاز.
وهذا يؤكد ما كتبناه هنا مرةً من أن تعدديتنا الظاهرة في الشكل نافية للتنوع القائم في المجتمع البحريني، بدليل أننا لم نر يداً واحدة ترفع في مجلس النواب تتحفظ على القرار المذكور، لا من باب الرغبة في نشر المسكرات، وإنما تفهماً لوضع بلد يقوم اقتصاده على جلب الاستثمارات، واستقدام الشركات والبنوك الأجنبية، ووسط منافسة حامية الوطيس في المحيط الإقليمي.
ونختم بالقول أن معيار مكافحة الفساد، ودلالة الشجاعة في التصدي له لا تكمن في الوقوف عند هذه الجزئية وحدها، وإنما في محاربة الفساد الأشمل حيث هدر المال العام بدون ضوابط، وحيث غياب الحدود بين المال العام والمال الخاص، وحيث تدمير البيئة وتخريبها، وعلى محاربة هذا الفساد فليتنافس المتنافسون، هذا إن كانوا يفقهون.