حسبما أكد نواب تيار الإسلام السياسي إزاء (حرية الصحافة).. أن عقولهم صلبة كالرخام الذي لا يلين، فان هؤلاء النواب قد اثبتوا استعداءهم لحرية الكلمة، بسبب ادراكهم التام، ولما يحملونه في قرارة انفسهم وبما ينطق به لسان حالهم.. أن (الكلمة الحرة الشريفة) هي أمضى من حد السيف، وأخطر من طلقات المدافع والبنادق.. ولكونهم أدرى من غيرهم أن هذه (الكلمة الجريئة) كلمة النقد الايجابية البناءة، هي رافد من روافد البناء والتشييد ومرتكز لرفع سقف الحريات العامة، ومحور لتوسيع رقعة الديمقراطية ومبدأ التعددية.. الأمر الذي يدفع بهؤلاء النواب الإسلاميين الى محاربة حرية الصحافة وحرية الكلمة.. ولكونهم يمقتون مظاهر التقدم والتطور والحداثة والتحديث، ويكرهون مواكبة عجلة التاريخ المتطورة.. فإنهم يسقطون الماضي على الحاضر، ويفصلون التراث عن التجديد.. فيجزئون الحضارة الإنسانية، ويشوهون مفاهيمها.
إن مبعث هذه المقدمة الموجزة، هو رغبتنا التطرق الى قانون الصحافة، الذي لا يزال يئن برزوحه ما بين ادراج مجلس الشورى والسلطتين التشريعية والتنفيذية، منذ الفصل التشريعي الأول.. هذا القانون (قانون الصحافة) قد كاد أن يتكلم استياء تحت طائلة هذا “الرزوح” المثقل الأوزار، من دون اقراره.. بل اوشك ان يعلن امتعاضه، دفاعا عن حرية الكلمة والقلم والفكر والتعبير.. مثلما دأب الصحفيون والكتاب والمثقفون على الصعيدين المحلي والخارجي على التعبير عن شجبهم مساعي الكثير من نواب تيار الاسلام السياسي، الى حبس الصحفيين.. لا لشيء سوى انتقام منهم، وتشف بمشاهدتهم وراء قضبان السجن.. حين ظل هؤلاء النواب بتمسكهم، ليس للمرات الأولى والثانية والثالثة سابقا، أو حتى لمرات العشرات حاضرا، ولكن ايضا لمرات المئات مستقبلا في ظل تحفظهم بقوة، ومعارضتهم بإصرار شديد على اصدار (قانون عصري وحديث للصحافة) يحمي الصحفيين ويذود عن الكلمة.. بل محاولاتهم المستميتة، والخارجة عن التاريخ، وغير الحضارية والعاجزة عن مواكبة العصر الحديث إزاء هذه القضية البالغة الأهمية والحيوية.. حين اقحامهم قانون الصحافة في قانون العقوبات، وزجهم المادة الـ (69) في تقرير لجنة الخدمات بمجلس النواب.
وبهذا الصدد، فان رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين (جيم بوملحة) قد وضع النقاط فوق الحروف، حينما استرسل قائلا “نحن ندعم رأي جمعية الصحفيين في ملاحظاتها ولكن يبدو أن بعض أعضاء مجلس النواب لا يريدون اقرار تعديلات متطورة تواكب ما هو معمول به دوليا في الدول المتقدمة”.
إنه من الأهمية بمكان القول ان إصرار هؤلاء النواب الإسلاميين على اصدار وتشريع قانون للصحافة، يؤدي الى حبس الصحفيين.. فإنهم اساءوا الى الديمقراطية ومبدأ التعددية، ومؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها (السلطة التشريعية).. بل أساءوا اساءة بليغة وجسيمة الى منجزات ومكتسبات الصحافة البحرينية، منذ عطاءات وتضحيات الرعيل الأول من الصحفيين والأدباء والشعراء (عبدالله الزائد وراشد الجلاهمة وحمد الفاضل وعلي عبدالله الزائد وابراهيم العريض وعبدالرحمن المعاودة ورضي الموسوي).. مثلما قدم هؤلاء النواب نموذجا استبداديا، بتكريس الرقابة وتوسيخ مقص الرقيب والحسيب، وما يتمخض عما حملوه في اغوارهم وعقولهم، بسعيهم الى حبس الصحفيين.
ليس هذا فحسب بل ضرب هؤلاء النواب بتعجرفهم ضد حرية الصحافة، ومحاولاتهم تكميم الأفواه وكسر الأقلام، صورة مسيئة ومشينة امام ناخبيهم، الذين اوصلوا مرشحيهم نوابا تحت قبة البرلمان بأصواتهم.. لا لشيء سوى من أجل أن يستنشقوا شيئا من نسمات الحرية، المتمثلة في حرية الكلمة، والجهر بأصواتهم والتعبير عن آرائهم، واعلان مطالبهم وما يعتمل في نفوسهم، والذود عن حقوقهم وصون كرامتهم، والنهوض بمعيشتهم وحياتهم، والارتقاء بوجودهم ومكانتهم.. حين اعتماد (هؤلاء الناخبين) مرجعياتهم، وهي (الأصوات الحرة النزيهة) وحاملو الأفكار المستنيرة، والرسالة التنويرية والتوعوية.. ومن هنا فان رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين (جيم بوملحة) قد أصاب كبد الحقيقة، حينما تحدث مخاطبا النواب الاسلاميين في مملكة البحرين مستطردا بقوله “ان مجلس النواب يجب ان يعلم جيدا ان الصحافة هي حجر الزاوية في الديمقراطية وانهم لا يستطيعون ممارسة الديمقراطية من دون الصحفيين، وهم لا يستطيعون اختيار الأمر الصائب من دون الصحافة التي تزودهم بالمعلومات، وانهم سيكونون المستفيد الأول من اعطاء الصحافة حريتها”.
في نهاية المطاف يمكن القول انه مهما تكن الحقائق والوقائع، وما يتمخض عنهما من النتائج.. فان شعب البحرين، قد وصلت إليه رسالة النواب الاسلاميين، التي حملت في مضمونها قمعا للكلمة الشريفة ومحاربة للأقلام الحرة.. حسبما تسلم الناخبون هذه الرسالة النيابية، في سعيها الى حبس الصحفيين.. الأمر الذي ستمثل هذه الرسالة، الدوافع الأساسية والأسباب المحورية، في ان تصل بالناخبين الى قناعتهم، وبمحض ارادتهم، واستخلاص استنتاجاتهم، بعدم الإدلاء بأصواتهم لانتخاب مترشحين اسلاميين كهؤلاء، خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.
حسبما يتعشم الجميع أن تلك الرسالة الإسلامية لنواب تيار الاسلام السياسي، قد وصلت الى (جمعية الصحفيين البحرينية) و(نقابة الصحفيين) تحت التأسيس.. لتمثل هذه الرسالة النيابية، أداة دفع قوية لإدارتي (الجمعية والنقابة) إلى ان يعيد اعضاؤهما وكوادرهما الصحفيون والكتاب، حساباتهم، ويرتقوا بموقفهم، ويتناسوا خلافاتهم، ويتركوا انقساماتهم، ويغالبوا جراحهم.. وبالتالي يتسامون بأفكارهم، ويتجلون برسالتهم.. من أجل تحقيق احلامهم، بتحريك الطلب الرسمي والمرفوع من قبل (جمعية الصحفيين البحرينية) الى وزارة العمل سابقا، ووزارة التنمية الاجتماعية حاضرا، بشأن تحويل (جمعية الصحفيين) الى (نقابة صحفية).. إذ ان هذا الطلب لايزال “رازحا” ما بين ادراج الوزارة، ومعلقا تنفيذه وتطبيقه في حكم المؤجل.. ليس هذا فحسب ولكن ايضا من أجل اصلاح البين بترميم هذا (الجسم الصحفي) بترسيخ وجوده وبقائه، وتقييم مسئولياته ومهماته، وتفعيل آلياته وفعالياته، وتوطيد هويته وكيانه.. ولكي يكون على قدر من الكفاءة والجدارة بحشد آراء انتلجنسيا المثقفين والكتاب والصحفيين، من أجل النهوض برسالته التنويرية والتوعوية والنهضوية خاصة، واستقطاب الرأي العام (المحلي والعربي والعالمي) عامة، في دعم قضاياه ومهماته، الساعية إلى انتزاع حقوقه المشروعة بمطالبته الدائبة بسن وتشريع (قانون عصري وحضاري للصحافة).. بقدر استطاعة هذا (الكيان الصحفي) مواجهة الأفكار الإسلامية المتشددة لنواب تيار الإسلام السياسي، والمصرين على حبس الصحفيين، باستعداء محكم.
أخبار الخليج 26 مارس 2010