تحتفل الشعوب الإيرانية منذ القدم بعيد النيروز في الأربعاء الأخير من السنة الإيرانية ’ الموافق من 16 من مارس ’ وهو طقس ديني واجتماعي قديم له قدسيته ورمزيته وثقافته في الذاكرة الشعبية الإيرانية ’ فيما يحاول النظام الحالي، نظام الجمهورية الإسلامية عرقلة وإفساد الاحتفالات خوفا من تحولها إلى لحظة غضب شعبية ضد النظام، وتحت حجة دينية مستحدثة يحاول النظام التبرير لحالة المنع ووضع متاريسه وأكشاكه في الطرقات لمراقبة الناس خوفا من انبعاث النيران المفاجئة وتمازج وتفاعل نيران النيروز ونيران الشعب وهديره، وتحول الاحتفال الشعبي إلى غضب سياسي ’ كتعبير عن استمرار الانتفاضة في يوم خاص هو عيد النيروز.
وتداركا للغضب السائد والمكتوم في صفوف الناس والشباب والطلبة خاصة، فان محاصرة قوات الباسيج للتجمعات الطلابية والطرقات العامة بدا واضحا للعالم الخارجي، بوضع نقاط الارتكاز والتفتيش، فهو المخرج الممكن للنظام لردع المواجهة المحتملة. وحالما اكتشف النظام إن تلك الأكشاك الخشبية المنصوبة للرصد والمراقبة عرضة للحرائق، فان انتزاعها بات هو الحل الأمثل، بينما قررت المعارضة طبع مئات الملصقات لصورة ولي الفقيه ’ لتكون الصورة الحقيقية للمرجعية والرمزية للحرائق والنيران، كنوع من الاحتجاج الرمزي على رغبة الجماهير الإيرانية حرق السلطة ورموزها، ومن خلال مشاعل النار تتصاعد الأدخنة الاحتجاجية في كل مدن وقرى وأحياء إيران، معلنة وقفة واحدة في وجه القمع والسجون والإعدامات والمداهمات المستمرة على بيوت من يشك النظام في معارضته. لقد تحولت السلطة الدينية في إيران إلى سلطة بوليسية، حيث تشهد مدينة طهران خاصة وإيران عامة ظاهرة بارزة للمناخ القمعي والشراسة السياسية، وبهذه الهستيرية المنبثقة من طبيعة النظام السياسي، فإنها بهذه الممارسات التعسفية أفقدت الثورة مصداقيتها التاريخية ورسالتها، بأنها جاءت من اجل الحرية ضد الاستبداد، وثورة خلقت من اجل حرية الشعب ضد مستبديه.
هذه الأفكار التي انبعثت مع ولادة الثورة، تبخرت بكل معالمها وتفاصيلها لمن يتابعون حقائق يومية تدور في الواقع الإيراني المشحون والمتوثب بالغضب إزاء سلطة دينية انسدت في وجهها الأفاق نهائيا وعليها أن تغادر مسرح التاريخ عاجلا أو أجلا. في لعبة النور والنار، في مواجهة القوة بالحقيقة، في تضاد الشعب مع السلطة القمعية، في رغبة التغيير ضد الجمود والتخلف، وفي مسار التاريخ نحو التقدم، يقف الظلام والفقر والتخلف معاكسا للإرادة الشعبية ورغبتها في تحطيم نظام ثيولوجي، يحاول أن يستمد سلطته الأرضية من مفردات مقدسة باسم الدين، بحيث يقف شخصا واحدا فوق سلطة الشعب والدستور، ويحكم ويقرر مصير الملايين داخل إيران وخارجها.
بعد ثلاثين عاما أو يزيد من عمر الثورة الإسلامية ونظامها يصل النظام إلى طريق مسدود وتتراجع مشاريعه وبرامجه التنموية، حيث تسكب الثروة في مجالات العسكرة والتسلح والأمن الداخلي وأجهزته المتعاظمة والمرتبكة، وحيث تعبث المجموعات الفاسدة عبر قنوات محكمة على السلطة لتمرير تلك المصالح المالية والاستثمارية، يكون تجار البازار هم سدنتها في المعبد الخفي والحليف المباشر واللصيق للسلطة الدينية المتسيدة. وخشية من لهيب الأربعاء الأخير سعت بلدية طهران قبل عشرة أيام باتخاذ كل الإجراءات والاحتياطات اللازمة، فسحبت بل نظفت طهران من السيارات المبعثرة القديمة، ونقلت حاوية النفايات خشية من استخدامها في تلك المناسبة بإشعال النيران فيها، بل ولاحظ المراقبون مدى احتفاظ الشباب بحاويات ونفايات الاحياء لكي توظف من اجل الاحتفالية البروميثيوسية على الطريقة الإيرانية، مما حدا بالعميد الحرسي خانجرلي مساعد قائد العمليات لقوات الأمن الداخلي في العاصمة طهران المعني بالأمن والاحتجاجات التحليق يوميا بطائرته السمتية فوق مدينة طهران لمراقبة التحركات والأوضاع عن كثب.
الجميع متوثب ومتحفز للمواجهة مع النار وبالنار ومن اجل يوم النار الأكثر التهابا في تاريخ الشعب الإيراني وحياة الجمهورية الإسلامية المصابة بأجواء النيران الغاضبة والمشتعلة من كل صوب. لقد تم توزيع لفات صور خامنئي بمقاييس أ-3 بين المواطنين في مختلف أنحاء طهران، منها ساحة إمام حسين وقد كتب على الصور شعارات احتفالية ليلة الأربعاء الأخير بإضرام النار في صورة احتفالية، النور ضد الظلام، احرقوا هذه الصور مع استخدام المفرقعات إذ تم توزيع كليبات ساخرة عن خامنئي ورموز النظام ومناشير الدعوات للمشاركة على نطاق واسع وفي الانترنيت وعبر الهواتف النقالة بين المواطنين، وشعارات كثيرة كتبت على كابينات الهواتف العمومية تدعو الشعب إلى المشاركة الواسعة في احتفالية ليلة الأربعاء الأخير بترديد الشعار « ليسقط مبدأ ولاية الفقيه». فهل تحرق النار المحتجين أم أن شررها سيصعق أسلاك قصر الجمهورية الإسلامية وأركانها ؟ إنها حرب إيرانية بامتياز، حرب النار والحديد إذ لا يفل الحديد إلا الحديد كما سبق وان ردد الثوريون ’ ولا تحرق النار إلا إبليس كما يقول دعاة الفلسفة الزرادشتية فهو الرمز الحقيقي للظلام .