تابعت البلاد – بشغف – تفاصيل قضية الوزير المتورط في غسيل الأموال، لا تشفياً في الرجل ولا بغضاً لذاته؛ بل لأن الشعب المكتوي بالفساد يتوق لأخبار تبث فيه الأمل.. لاسيما أن السنوات الماضية ضجّت بتصريحات نارية وتلويحات وتنديدات قاسية بالفساد سمعنا منها الجعجعة ولم نرَ الطحين.. ما أدى إلى انحسار الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة الرقابية وجديتها في التعاطي مع تلك القضايا..!
أنباؤنا الخاصة تفيد بأن القضية بدأت بالقبض، في أوقات متباينة، على مجموعة من «صغار مبيضي الأموال» الذين تردد اسم الوزير في اعترافاتهم بوصفه «مسهلاً لعمليات التبييض»، كما انتهت خيوط تحقيقات عدة عنده، ولكن السلطات تمهلت في الأمر لعام كامل اكتفت خلاله بالتصنت والمراقبة والمتابعة. ولكن عملية تبييض كبيرة – تتراوح بين 12 و15 مليوناً – قد سرّعت الوتيرة، لاسيما بعد أن تعاونت أجهزة أمن دولية – وفقاً لوكالة الإنباء الألمانية – مع البحرين في الكشف عن النشاط المشبوه للوزير.
بالطبع، المتهم بريء حتى تثبت إدانته.. ولكننا في حالات كهذه نفترض أن السلطات الأمنية ترددت – 12 مليون مرة – قبل الإقدام على خطوة كهذه.. وبغض النظر عن ذلك، كم طال الأمر علينا أن نحيّي قسم الجرائم الاقتصادية على يقظته وجهوده.. فعمليات التبييض طغت على السطح بشكل فاحش في الآونة الأخيرة.. وتحوّل كثير من الحفاة إلى أصحاب ثروات بين ليلة وضحاها.. لاسيما بعد أن ضُيّق الخناق في الغرب على الأموال المغسولة فأصبحت دول العالم الثالث قبلة طالبي «الغسيل»..
نريد أن نكون متفائلين، وسنزعم أن السابقة الجريئة باستجواب وزير وتفتيش مسكنه ومكتبه هي أول الغيث.. وسنرفع الأكف متضرعين أن تطال الخطوات المقبلة ذوي الدماء الزرقاء أيضاً.. «فشفط الأموال» لا يقل خطراً عن غسلها.. وأخطر أنواع الفساد هي المتعلقة بخطف اللقمات من أفواه الشعب لصالح فئة محدودة.. في البحرين تم السطو على أراضٍ وسواحل وأموال عامة نريد أن نسمع – يوماً – عن استهداف سارقيها.. ولكي لا نوصف بالجشع نريد – على الأقل – أن نسمع عن استعادة ما أخذوه ولو «بالطيب وحب الخشوم»!
مشكلتنا الأم في المملكة اليوم أن الفساد اكتسب مقبولية اجتماعية.. الصحافة تطرح – بالتلميح والتصريح – قضايا يومياً، تقرير الرقابة المالية السنوي – رغم طرحه الخجول – يطرح مؤشرات تستدعي التمحيص. النواب يقعون كثيراً على مكامن فساد.. وعليه فبؤر الفساد – كما ترون – مفضوحة، ولكن القبضة الحديد تطال الصغار دوناً عن الكبار.. في البلاد هناك 3 شرايين تنزف مالاً عاماً.. النفط الذي لا يقف أحد على حجم مبيعاته وحجم رفده لخزينة الدولة.. والأراضي التي تسحب من هذا وتمنح إلى ذاك وتُسجّل وتقسّم وتباع من دون ضوابط، والمناقصات الحكومية التي هي بئر لا قرار له.. في الأمس القريب سمعنا وزير المالية يقول مخاطباً النواب «لا يوجد من يحمي الفساد، وأي نائب لديه دليل على فساد فلنذهب معاً إلى التحقيقات ونقدم الأدلة ضده للنيابة العامة».. مشكلتنا اليتيمة مع هذا التصريح أنه ألقى بمسؤولية الإثبات على العوام.. في بقاع عدة من العالم تستطيع – بكبسة زر – التحرّي عن بيانات شخص وسجلاته الإجرامية ووظيفته وممتلكاته التجارية والعقارية وغيرها.. أما في البحرين فكل شيء ولا وسيلة رسمية لمعرفة عنوان شخص – ناهيك عن بياناته الشخصية والمالية.. وذلك للأسف يسري حتى على الإعلاميين النواب الذين تمنع عنهم حتى كشوف بأسماء موظفي الوزارات!
المُراد..
نريد أن نقول «ما قصرتوا» إنما كرروها وعلّوا وتيرتها.. البحرين سجّلت تراجعاً في مؤشر الشفافية للعام ,2009 وهناك حالة من التذمر الشعبي من شيوع لتجاوزات والإفلات المستمر من العقاب.. وإن كانت تحقيقاتكم أعطتكم خيوطاً للوزير.. فهناك مئات الخيوط التي توصلكم إلى سواه.. إنْ كنتم راغبين..
الوقت 21 مارس 2010