المنشور

القمم العربية والفشل المحتوم

عشية انعقاد القمة العربية خلال العام الماضي تناولنا هنا بالتحليل العوامل التي تجعل من مؤسسة القمة ضعيفة مقارنة بمؤتمرات القمم العالمية وعلى الأخص الأوروبية أو الغربية بوجه عام ممن تتصف جل دولها بأنظمة ديمقراطية عريقة ومستقرة، وحيث تنظم تلك القمم منظمات اقليمية أو دولية معروفة بعراقتها وتطور انظمتها وقوانين وانضباطية الدول المنضوية لها في احترام تلك الانظمة والقوانين طالما قد صدقت مقدما على اتفاقيات إنشاء تلك المنظمات وعلى مواثيقها، وطالما هي مسؤولة مسؤولية كاملة أمام برلمانات شعوبها عن أي اخلال بتعهداتها الدولية أمام تلك المنظمات التي تتمتع بالعضوية فيها ناهيك عن مسؤوليتها أمام برلمان المنظمة الاقليمية المنتخب انتخابا حرا.
وذكرنا انه بفضل هذا التطور الذي قطعته تلك المنظمات الاقليمية في ممارستها لسلطاتها وصلاحياتها الكاملة التي فوض بها اعضاؤها فانه لا توجد دولة عضو تقاطع أي مؤتمر من مؤتمرات القمة الخاصة بهذه المنظمة لأسباب مزاجية سياسية كيدية تعود لصراعات المحاور السياسية أو لأي أسباب سياسية أخرى فيما بين اعضائها ولاسيما بين الدولة التي تحتضن مقر المنظمة أو مكان انعقاد القمة وبين الدولة أو الدول التي اتخذت الموقف المقاطع ما خلا حالات نادرة، ولعل مما يساعد على تحقيق هذه الانضباطية باحترام الالتزام بحضور مؤتمرات القمة انها غالبا ما تعقد في دولة المقر ولكون الامناء العامين لتلك المنظمات الاقليمية غالبا ما يكونون من غير حملة جنسية دولة المقر مما يسهل تأمين اكبر قدر من النزاهة والحياد التي يفترض ان يكون عمل الأمين العام بمنأى عن تأثير سياسة دولة المقر بأي شكل من الاشكال.
ولعل تجربة الاتحاد الأوروبي هي اكثر تجارب المنظمات الاقليمية الدولية ريادة ونضجا في هذا الصدد، وعلى العكس من ذلك فان تجربة جامعة الدول العربية تكاد تكون في مؤخرة تجارب المنظمات الاقليمية من حيث شلل وعدم فعالية نشاطها وذلك لانتفاء الاسباب التي تجعلها ذات فاعلية كالاتحاد الاوروبي، فالجامعة العربية ليس انها من الأصل انشئت على اسس صلبة وطيدة، وأريد لها ان تكون مجرد صوت رسمي لأدنى سقف من المواقف المشتركة التي يمكن ان تتوافق عليها الانظمة العربية فحسب، بل ليس ثمة سلطة الزامية تتمتع بها لالزام هذه الدولة أو تلك الدولة بحضور أي من اجتماعات مؤسساتها الدورية ولاسيما مؤسسة القمة، ولا توجد لديها سلطة لالزام هذه الدولة العربية أو تلك الدولة العربية باحترام وتنفيذ قراراتها حتى لو كانت هذه القرارات وبخاصة ذات الطبيعة المهمة التي تتصل بقضايا العرب المصيرية الراهنة هي انشائية تسويفية ومطاطة.
والأنكى من ذلك انه غالبا – بحكم الأعراف والتقاليد العربية – ما يكون للدولة التي تستضيف القمة تأثير معنوي واضح وملموس في سقف تلك القرارات، ناهيك عن تأثير هذه الاستضافة في انقسام الدول العربية الاعضاء بين دول مشاركة ودول مقاطعة ودول مشاركة برئاسة شخصية ممثلة في اعلى شخصية في قيادات تلك الدول ودول مشاركة بشخصيات مسؤولة ذات مستوى متوسط، كوزير خارجية أو نائب رئيس دولة، ودول مشاركة بأدنى مستوى من التمثيل في رئاسة وفدها كسفيرها المعتمد في دولة المقر مثلا، وهو ما ينعكس بدوره على مدى قوة القرارات الجماعية الصادرة عن المؤتمر.
وهذا بالضبط ما تواجهه الجامعة العربية وقممها السنوية حتى اصبحت هي وكل مؤسساتها مشلولة عديمة الفائدة والجدوى لشعوبها اللهم احتفاظها بالاسم والانتظام بالمشاركة في بعض الاعمال الدروية لاثبات انها مازالت حية ترزق.
في العام الماضي احتضنت دمشق القمة العربية فقاطعها بعض الدول فيما شارك فيها بعض الدول العربية الكبرى بأدنى مستوى من التمثيل بسبب خلافاتها مع الدولة المستضيفة مما اثر في مستوى قراراتها وفي مدى الزام الدول المقاطعة بتلك القرارات، ولا يبدو حتى الآن ان قمة هذا العام التي ستلتئم في ليبيا بعد أيام قلائل سيكون حالها أفضل، إذ إن كل المؤشرات تلوح بأنها ستكون كسابقتها من حيث توقع مقاطعة بعض الدول لها وتخفيض مستوى التمثيل من قبل دول أخرى.. وبالتالي فقمم من هذا القبيل محكومة بالفشل مقدما ولا يرتجى خير منها من قبل شعوبها.
ولو ان الدول العربية التي تستضيف هذه القمم انفقت ملايين الدولارات التي تنفقها لاستضافتها على المشاريع الخيرية والاسكانية ودعم السلع لشعوبها لكان ذلك افضل مليون مرة من انفاقها على بهرجة مراسم صور تذكارية أو مناكفات أو بيانات إنشائية لا تهش لطالما سئمت الشعوب العربية منها حتى الثمالة.

صحيفة اخبار الخليج
20 مارس 2010