دائماً ما تشغلنا أسئلة من قبيل: ما علاقة المثقف بالسلطة وإشكاليتها؟ وهل ممكن أن تؤطر الثقافة بإطار سياسي؟ وهل يحق لوزارات الثقافة أن تضع برامجها وفق مقاساتها، حتى وإن كانت تعارض الواقع والتعددية الفكرية؟؟…
في مقابلة صحافية مطولة مع وزير الثقافة والشباب في إقليم كردستان، كاوه محمود (52 عاماً) (1) وجدت أجوبة شافية لتلك الأسئلة أعلاه تضمن حلولاً برجماتية تبيّن أن الثقافة أوسع من أن تؤطر بإطار سياسي، وقال مما قاله ‘أعتقد يجب أن تكون البرامج الثقافية مبنية على أساس الواقع، وليس على أساس الرغبات، ويجب أن لا نلوي عنق الواقع كي ينسجم مع إرادتنا؛ لأن الرغبوية والإرادوية وبال علينا، وهما مرض شديد في منهجية التفكير. فيما يتعلق في السياسية الثقافية يجب أن نرى الواقع الثقافي وما هي الإشكاليات الموجودة في الواقع الثقافي، الإشكالية المزمنة، والتي هي ليس فقط في إقليم كردستان أو العراق فقط، وإنما في منطقة الشرق الأوسط عموما، هي العلاقة بين المثقف والسلطة، وهي إشكالية معقدة، فكيف يمكن أن نتعامل مع هذه الإشكالية؟؟ نحن أكدنا في برنامجنا على حل هذه الإشكالية لصالح المثقف، وهذا يعني أن هذا الحل هو لصالح السلطة الديمقراطية المدنية التي تملك مشروعا للتغيير الاجتماعي، نحو التقدم الاجتماعي’.
ولكن كيف يمكن أن يكون ذلك، خارج النطاق النظري، الذي يصطدم بالواقع في أغلب الأحيان؟
يقول كاوه ‘قطعاً عندما تعالج هذه الإشكالية لصالح المثقف، فهذا يعني في الجوهر هو لصالح المشروع المدني الديمقراطي الذي تطرحه السلطة’، وهو مشروع مستمر، ونحن في مرحلة انتقالية وبحاجة إلى التراكم، ولكي نتجاوز الشعاراتية ونتحول إلى الواقع العملي الملموس، نكون بحاجة إلى آليات عمل تساعدنا على تنفيذ هذا البرنامج وهيمنة الناحية العملية، لقد نشرنا الخطوط العامة لسياسة الوزارة في الصحافة العلنية، ونشرنا أيضا قانون الوزارة وطلبنا من المثقفين ومن المعنيين بالتنمية الشبابية والشؤون الرياضية أن يقدموا مقترحاتهم وملاحظاتهم حول قانون الوزارة بما في ذلك ملاحظاتهم حول المديريات التابعة للوزارة، وآلية عمل الوزارة، وهذا جزء من الشفافية من خلال العودة إلى الرأي العام، لم نقدم المشروع مباشرة إلى مجلس الوزراء، وقد طرحنا هذا المشروع في ندوة تلفزيونية، كما نشرنا العنوان الإلكتروني الخاص بالوزير في الصحافة، كي تكون الآراء والملاحظات من المعنيين مباشرة إلى الوزير، وقد تلقينا ملاحظات جيدة وأجرينا تعديلات على ضوء ما ورد إلينا من آراء’. وأعطى كاوه مثالاً آخر على هذه الروحية بقوله ‘نحن في الوزارة تلقينا دعوة لسفر ثلاثة شعراء أكراد إلى القاهرة يقرأون قصائدهم في اللغة العربية، أنا بدوري حولت الدعوة إلى اتحاد الأدباء ليشخصوا هؤلاء الشعراء وليس الوزارة، وبالفعل فقد اختاروا ثلاثة من الشعراء وعلى حساب الوزارة، لدينا مثلا لجنة لمتابعة النصوص السينمائية، وأغلب أعضاء هذه اللجنة هم من خارج الوزارة وباختصاصات متنوعة، لكي يقرروا صلاحية النص، جملة من هذه الآليات ستعيد الثقة والعلاقة إلى مجراها الطبيعي بين المثقف والسلطة، وعندما أتحدث عن السلطة، أتحدث في الحقيقة عن إدارة الشأن الثقافي، والشأن الثقافي واسع، وأنا أعتبر كل هذه المؤسسات الثقافية خارج الوزارة، هي بمثابة وزارة للثقافة وهذا ليس منقصة للوزارة؛ لأنها تكمل عمل الوزارة، نحن معنيون جملة وتفصيلا بالشأن الثقافي’.
ـ (‘طريق الشعب’ العدد 147 ـ السنة 75 ـ الأربعاء 17 مارس/ آذار 2010)