تغلغلت آثار اعتماد مواطني بلدان الخليج على الأيدي العاملة الأجنبية، الآسيوية منها خاصة، في ثنايا التكوين النفسي لأفراد هذه المجتمعات وعاداتهم، الناجمة عن تعودهم على نمطٍ سهلٍ من المعيشة يوفره العمال الأجانب دون التبصر في أبعاد الموضوع. ولا نظن أن الأمر آيل في المدى المنظور وفق ما نرى من معطيات إلى تغيير جوهري في هذا النمط، وبالتالي إلى معالجة سليمة لهذه الظاهرة لا تؤدي إلى إنهائها أو التخلي عنها فذلك بات أمراً مستحيلاً خاصة في عالم اليوم، وإنما لترشيد استقدامها وترشيد توظيفها في المجالات التي تحتاجها هذه المجتمعات.
وعلى صلة بذلك، فإن حجم الأيدي العاملة الأجنبية في بلداننا، يجعل من هذه البلدان مكشوفة على الخارج، فدول المنشأ أو المصدر لهذه الجاليات أو أوطانها الأم معنية بشكل كبير بأوضاع هذه الجاليات، ليس فقط لأن حقوق المواطنة تقتضي مثل هذه الاهتمام من قبل حكومات هذه الدول بأمر مواطنيها الذين يعيشون ويعملون في بلدان الخليج النفطية، وإنما أيضاً لأن التحويلات المالية لأفراد هذه الجاليات في الخليج إلى أوطانهم تشكل أحد عوامل تنشيط الدورة الاقتصادية في بلدان المصدر، وبالتالي فإنها معنية برعاية أمور أبنائها في هذه البلدان والسعي لتأمين الظروف الملائمة لعمل ومعيشة هؤلاء.
وقد بدأت هذه الحكومات في الضغط من أجل سن ما يلزم من التشريعات لتأمين مثل هذه الظروف، وربما تحث مواطنيها في المستقبل، ولعلها بدأت في حثهم بالفعل على إبداء أشكال من التكافل والتضامن الرامي لتأمين مثل هذه الظروف، وعلينا، من وجهة نظر إنسانية وتقدمية، أن ننظر لذلك بصفته أمراً مشروعاً.
معدلات النمو الحالية في بلدان الخليج ونمط المعيشة، السائد فيها بما ينطوي عليه من رفاهية ويسر بالنسبة لأبناء المنطقة ما كان يمكن أن تتحقق دون هذه الكثافة الكبيرة من الأيدي العاملة الآسيوية، فإن الاطمئنان إلى ذلك والنوم على أسرةٍ من حرير دون التبصر في المستقبل وعواقبه ينم عن سوء تقدير لحجم الظاهرة ولعواقبها، غداً عندما «تروح السكرة وتجيء الفكرة».
إن العولمة فرضت هذا التدويل الواسع للظواهر والحالات. ومجتمعات الخليج بحكم ما فيها من ثروات وما تحتله من موقع لا يمكن إلا أن تكن في قلب هذه العولمة، على الأقل من زاوية استراتيجية سلعة النفط الموجودة في أحشائها. وآليات العولمة لا يمكن أن تستخف بقضية جوهرية ومصيرية وحيوية بالنسبة لبلدان المنطقة، كقضية العمال الأجانب التي باتت ملفاً قيد التداول من قبل المنظمات العالمية المعنية بحقوق الإنسان وقضايا العمال المهاجرين.
ومن العبث القول إن الوقت قد آن للتفكر في الأمر، الأصح القول إن الوقت يكاد يكون متأخراً، والأجدى هو السعي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر الخطوات العملية التي تتطلب قرارات جريئة، لابد منها، وهي لا يمكن إلا أن تكون قرارات مؤلمة في الآن ذاته، لأنها تتطلب التغلب على المظاهر المتطرفة في سيكولوجيا الاستهلاك التي تجتاح بلداننا جميعها، وبدون استثناء، حتى لو تفاوتت النسب.
صحيفة الايام
18 مارس 2010