المنشور

النساء و”الديمقراطية” الدكتاتورية الذكورية

الديمقراطياتُ في الشرق العربي الإسلامي تُعلن على عجل، وهي نتاجُ ظروفٍ سياسية طارئة غالباً، وليستْ نتاج تطوراتٍ حضارية طويلة، وتُرفع فيها الشعاراتُ البراقةُ والوعودُ بتحولاتٍ مستحيلة.
النخب الذكورية المنتمية إلى قوى الاجتماعية المحافظة هي التي ترتفع وتسود، وبين هذه النخب وبين النساء عداوة طويلة عميقة!
هذه النخب المحافظة الدينية أقلية ضئيلة في المجتمع ومع هذا تقف ضد النساء نصف المجتمع، فكيف تكون هنا ديمقراطية؟
إذا كنتَ سوفَ تقفُ ضد أمك وأختك وزوجتك فكيف سوف تحقق حقوقَ من لا تعرفهم؟
الدول تقول للنساء هذه هي فرصتكن للتعبير عن أنفسكن والأدلاء بأصواتكن.
كلامٌ سياسي مجردٌ يُطلقُ في الفضاء الفارغ السياسي.
كيف يمكن ذلك أيها المشرع الحكيم؟ النساء خلال قرون حبسن في البيوت، وكرسن للولادات الكثيرة، وبين كل حمل وحمل أمراضٌ وتعب مرهق وانفصال عن المجتمع وتغذية للمواليد وتربية لهم، واهتمام بأعباء البيت خاصة الطبخ وإدارة شؤون البيت، والزواج فيه طلاق وانفصال ونفقة تافهة وعيال ومدارة شؤون الزوج ومدى انتمائه إلى بيته وإلى عياله، أو هو أناني صاحب لهو وخروج دائم، أم هو مضح مهتم؟
والنساء موجهات للانفصال عن السياسة والثقافة، مكرسات للداخل البيتي، يفضل أن يكن أميات، ولتتفرغ أغلبية الرجال لشؤونهم الخارجية.
وبعد هذا تأتي وتقولُ إن هناك مساواةً بين النساء والرجال في الانتخابات والفرص متاحة للجميع.
حتى في هذه الفرص المتاحة للجميع والمساواة المجردة الشكلية، تشكلتْ الجماعاتُ السياسية على هيمنة ذكورية ولا يقوم الساسةُ الأعضاءُ بجلب نسائهم أو بناتهم لهذه التجمعات، ولا يقومون بتعريفهن على هذه الفاعليات، وإذا حدث أن جُلبن للفاعليات الاجتماعية انفصلت النساء عن الذكور، وعدن لعدم الاختلاط وعدم معرفة ما يجري في المجتمع.
الرعب من الاختلاط ليس مسألة شيخ محافظ يفتي بمنعهِ وقتل من يدعو إليه، بل هو مسألةُ خوفٍ ذكوري عام، ودكتاتورية ذكورية لا تطور النساء في البيوت ولا تتحمل الأعباء المنزلية سواءً بسواء مع النساء، وتحرض الأولاد على أخواتهم، وتراقب ما يقرأن واتصالاتهن وتقطع ألسنتهن فكيف بعد ذلك يستطعن أن يشكلن أصواتا سياسية تتفجر بين الجمهور العام؟
وما كان ذلك شأن الصحابيات في صدر الإسلام اللاتي كن رموزاً نضالية كبيرة في تاريخ الأمة، والآن هي ليست مسألة دينية بل مسألة ذكورية أنانية.
والأخطر من كونهِ تخلفا اجتماعيا هو تخلفٌ سياسي بالدرجة الأولى، وهو تركٌ للأمم الأخرى تغزونا في عقرِ دارنا، وتلتهمُ الوظائفَ من رجالنا ونسائنا، وتخطفُ المصيرَ من أمتنِا، لتغدو هذه الأمم الآسيوية سيدةَ بلداننا، وملتهمة الأعمال حتى مواقف السيارات منا، بعد أن التهمت الأممُ الغربية ثرواتَنا، وما عادت السيطرة علينا مجزية، ثمينة لها، فتتركنا لهذه الأممِ التابعةِ بدرجةٍ ثانية أو ثالثة، توجهنا وتتحكم فيما بقي من ثرواتنا.

صحيفة اخبار الخليج
14 مارس 2010