كنت منذ العام 2004 وحتى العام 2007 محاميا عن ستة من المعتقلين البحرينيين المحتجزين في معتقل غوانتنامو. وأبلغت الحكومة البحرينية خلال تلك الفترة عن الانتهاكات التي قال موكليّ بأنهم تعرضوا لها على يد أفراد تابعين للحكومة الأميركية. وعلى إثر ذلك صدرت الإدانات من المسئولين الحكوميين والبرلمانيين البحرينيين وكذلك الإعلام البحريني، إلا أنه لم يطلب مني مُطلقا – ولو حتى لمرة واحدة – أن أقدم البراهين الداعمة والمؤكدة على أن تلك الانتهاكات حصلت فعلا (على الرغم من وجود تلك البراهين في عدة حالات).
وكنت أيضا كاتب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الأخير – والذي صدر في 8 فبراير/ شباط 2010، والذي خلص إلى أن مسئولين في أجهزة الأمن البحرينية مارسوا التعذيب وغيره من الانتهاكات. إلا أن أكثر ما يبعث على الدهشة هو أن العديد من المسئولين والبرلمانيين البحرينيين الذين أدانوا – بشكل فوري – الولايات المتحدة بسبب معاملتها لموكليَّ في غوانتنامو، هم أنفسهم من بادروا بالتصريح بنفس السرعة، على أنه ينبغي عدم التسليم بما ورد في تقرير هيومان رايتس ووتش.
والسؤال عن السبب هنا سؤال جيد، إذ إنهم يدعون بأن التقرير يعتمد كلية إلى روايات لمعارضين سياسيين – إذ يتعين وبصورة تلقائية عدم الأخذ بادعاءات المعارضين- وأن التقرير لا يحتوي على ما يثبت صحة تلك الروايات.
إنه لأمر محبط، وإن لم يكن للأسف متوقعا من أولئك الذين قبلوا بادعاءات وقوع انتهاكات ضد مواطنيهم خارج البلاد أن ينفوا بصورة تلقائية ادعاءات مماثلة لمواطنيهم المعتقلين داخل البلاد.
إضافة إلى أن من يدعون أن التقرير يفتقر إلى براهين الإثبات حتما لم يقوموا بقراءة هذا التقرير، فالتقرير الذي يحمل عنوان «التعذيب يُبعث من جديد: إحياء سياسة الإكراه الجسماني أثناء الاستجواب في البحرين» يستشهد – إضافة لشهادات الضحايا – بقدر كبير من المستندات التي أعدت من قبل موظفين لدى الحكومة البحرينية، بمن فيهم المكلفين بإجراء الفحوصات الطبية، الأمر الذي يؤكد صحة الروايات التي استمعنا إليها حول التعذيب.
وإن كان لنا أن نسوق مثالا واحدا، فإن تقريرا أعد بمعرفة أطباء وزارة الصحة بشأن المعتقلين في قضية «كرزكان» – وهي واحدة من تلك القضايا التي تناولها تقريرنا – كشفت عن أن العديد من الإصابات تتوافق مع ما زُعم من انتهاكات، الأمر الذي حدا بالقاضي إلى إسقاط كافة التهم الموجهة للمدعى عليهم إجمالا. وهذا في حد ذاته أقوى إثبات مما طالب أي بحريني بتقديمه فيما يتصل بحالة موكليَّ في غوانتنامو. ويشير تقريرنا إلى العديد من الأمثلة المشابهة.
كثيرا ما قلت في شأن معتقل غوانتنامو، أنه حتى وإن اعتقد الناس أن كافة المعتقلين كاذبون، فإن المستندات التابعة للحكومة الأميركية أثبتت وقوع هذه الانتهاكات. والأمر ذاته ما هو حاصل في حالتنا هذه. فحتى وإن كانت هناك شبهة على أن كافة الأشخاص الذين أجرينا معم المقابلات أدلوا بشهادات غير صحيحة، وهو ما سبق أن أوضحنا مبررات عدم اعتقادنا فيه، فإن المستندات التابعة للحكومة البحرينية لا تدع مجالا كبيرا للشك في وقوع تلك الانتهاكات.
يشكو المسئولون الرسميون أيضا من عدم تناولنا لردود الحكومة البحرينية تجاه الدعاوى بوقوع التعذيب وهذه ادعاءات باطلة. فقد أفردنا قسما كاملا من التقرير للبيانات الشفهية التي أدلى بها المسئولون الحكوميون البحرينيون، والتي فيها ينفون وقوع انتهاكات بحق أي فرد. ويرجع خلو التقرير من ذكر أية استجابة أخرى لتجاهل المسئولين الحكوميين للخطابات التي أرسلناها ونطالب فيها بالمزيد من المعلومات التفصيلية وذلك خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول، وديسمبر/ كانون الأول 2009. إلا أن وزارة الداخلية في واقع الأمر قدمت ردا كتابيا قبيل إصدارنا للتقرير بيوم واحد فقط، فماذا كان فحوى رد الوزارة؟ دار في معظمه حول أن القانون البحريني الذي يحظر التعذيب (وهو ما ليس بموضوع نزاع بيننا) وأن البحرين تلتزم بضمان عدم وقوع التعذيب (وهو ما نتطلع إليه). كما تناول الرد بصورة عامة القضايا التي استقينا من خلالها روايات عن وقوع التعذيب. ومن الغريب أن الرد ذكر أيضا أن واحدة من تلك القضايا الثلاث التي حققنا فيها، ونعني قضية الحجيرة، كانت تتعلق بشخصين على ارتباط بتنظيم القاعدة، وفي الحقيقة إن تلك القضية شملت عشرات المعتقلين يفترض أنهم أَرسلوا إلى سوريا بمعرفة شخصيات تنتمي للمعارضة البحرينية بغرض تلقي التدريب على الأعمال الإرهابية. وهذا الخطأ الفادح يوحي بأن أحدهم طُلب منه أن يكتب ردا ما في اللحظات الأخيرة.
إلى جانب هذا أثار الرد عدة نقاط محددة يتضح بطلانها جليا للعيان. ومنها مثلا أن قرار المحكمة بإسقاط كافة التهم في قضية كرزكان لا علاقة له بالانتهاكات البدنية. إلا أن من يقرأ قرار المحكمة يتبين مقدار ما اكتسبته مسائل الانتهاكات من أهمية. كما وأن الرد ذكر أن الأطباء في قضية جدحفص (وهي ثالث القضايا التي تناولها تقريرنا) شهدوا بأن ما اكتشفوه من إصابات واضحة في أجساد المعتقلين لربما تكون نجمت عن الاستخدام المعتاد للقيود، في حين أن ما ورد بمحاضر جلسات المحكمة يظهر أن الأطباء أفادوا بأن الإصابات التي اكتشفوها لم تكن نتيجة لذلك السبب.
وإننا إذ نقدر إشارة بعض المسئولين البحرينيين الآخرين إلى أن تقريرنا طرح أمورا تتطلب اهتماما وتحريا إضافيين. فإننا على أمل أن يتم فتح تحقيق محايد وإشراك شعب البحرين من خلال اطلاعهم على نتائجه.
أما بالنسبة لي، فسوف أواصل العمل لصالح حفظ حقوق أولئك الذين تعرضوا للانتهاكات، بعيدا عن عرقهم أو دياناتهم، وبغض النظر عما إذا كانت الانتهاكات وقعت في معتقل غوانتنامو أو في مملكة البحرين.
الوسط الخميس 04 مارس 2010م