في البحرين لدينا أربع “ تنميات “ .. بمعنى أربع جهات رسمية موكل لها أمر التنمية وبلوغ أهداف معينة ، الأنظار والرادارات مصوبة عليها ، خاصة في ظل الأولوية والإلحاح اللذين تحتلهما هذه الأهداف لاعتبارات نحسبها معلومة .
هناك مجلس للتنمية الاقتصادية، ومعهد للتنمية السياسية ، كما لدينا وزارة للتنمية الاجتماعية ، وبنك البحرين للتنمية ، وينبغي أن نلاحظ أن هناك “ تنميات “ أخرى يتم تداولها كالتنمية المستدامة التي أكد عليها جلالة الملك قبل أيام واعتبرها في طليعة الأولويات في سبيل تحسين مستوى معيشة المواطن .
وللإحاطة فإن التنمية المستدامة تعرّف بأنها عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية حاجاتها، وهي تجري في ثلاث مسارات رئيسة هي النمو الاقتصادي وحفظ الموارد الطبيعية والبيئة، والتنمية الاجتماعية .
وهناك أيضاً التنمية الحضرية التي وافق مجلس الوزراء مؤخراً على اطلاق خطة عامة لتنفيذ مشروع يعني بهذا النوع من التنمية، وهو مشروع وصفه وزير شئون البلديات والزراعة بأنه ديناميكي ويهدف الى تحقيق استدامة القرى حضرياً واجتماعياً واقتصادياً .
أن المرء لا يسعه إلا أن يرحب بتلك المبادرات والبرامج والمشاريع بقدر ما يرحب بكـــــل “ التنميات “ المطروحة في الميادين المختلفة، مثل التنمية الإدارية، والتنمية البشرية ، والتنمية الثقافية ، والتنمية الزراعية، والتنمية المائية وغير ذلك من التنميات، والقائمون على أمور كل “ تنمية “ يرون بأن التنمية المعنيون بها هي الأساس وهي المحور لأي تنمية، وبصرف النظر عن ذلك ومع التسليم بأهمية تلك “ التنميات “ جميعاً ، إلا أن ثمة قائمة من الأسئلة التي تبحث عن إجابات حول الكثير من مجريات الأمور لكثير من جوانب التنمية في تلك الميادين، وحول مساراتها، وحول تصميم الأولويات الخاصة بها وبصوابيتها ونوعية الفائدة أو الإنجاز المحقق، وهذه مسألة تختلف حولها الرؤى والتقييمات ووجهات النظر ، لاسيما عندما ينظر للتنمية من زاوية ضيقة ينصب اهتمامها على النواحي العمرانية والإنشائية التي ألفناها تدشن في مهرجانات إعلامية ، أو حصرها في القوالب الشكلية أو الأطر المعدة، أو السلع المستوردة ، أو إبقائها في كثير من الأحيان في زاوية الشعارات التي ترفع للتدليل على تقدمنا أو ممارستنا للتنمية، مما يبقينا في دائرة البيانات والأرقام والنماذج والتوجهات وحتى الخطط التي أن وجدت لا يعني بالضرورة التزاماً بها أو قدرة على تنفيذها ، أو وضوحاً في الرؤية لأهدافها الحالية والمستقبلية ، ورغم أن المتفق عليه بأن الإنسان هو غاية التنمية ووسيلتها في كل الحقول والميادين وأنه لا يجب أن يعيش على هامش التنمية التي هي عملية حضارية شاملة لمختلف أوجه النشاط في المجتمع بما يحقق بناء الإنسان وتحرير له وتطوير لقدراته للعمل البناء ، فإن التنمية بالنهاية هي اكتشاف لموارد المجتمع وتنميتها والاستخدام الأمثل لها، وليس غريباً أن يربط مفهوم التنمية بمفهوم المواطنة وما تقتضيه من مشاركة والتزامات وإلا لن تصل التنمية الى غايتها ولن تمس الإنجازات المستهدفة جوهر التنمية .
انطلاقاً من ذلك ربما علينا أن ننظر بكثير من الجدية والاهتمام لرؤية البحرين الاقتصادية 2030 التي تسعى الى تحقيق أهداف تنموية جوهرية تحدد الاتجاهات العامة للمستقبل .
جميل أن تكون لدينا ولأول مرة مثل هذه الرؤية بمبادئها الأساسية الثلاثة : الاستدامة، التنافسية والعدالة، والأجمل أن لا تكون ما احتوته هذه الرؤية مجرد تنميات أو طموحات على الورق وإنما رؤية خاضعة للقياس والتقييم والقدرة على التوازن بين مصلحة الجيل الحالي ومصلحة الأجيال القادمة، وقادرة على المضي نحو التنمية بقدرات راسخة ومتطورة، قدرة اقتصادية دافعة ومتعاظمة ، وقدرة اجتماعية متفاعلة ومشاركة ، وقدرة سياسية داعمة وموجهة ، وقدرة على إدارة التنمية بكفاءة وفاعلية ونزاهة لتوجيهها الوجهة الصحيحة التي لا تجعل المجتمع متقدم مظهرياً بينما هو يعاني الكثير من أسباب التخلف .هذه الرؤية التنموية تواجه تحديات حالها أي مشروع وطني كبير .. لعل أبرزها المتصلة بالزيادة المطردة في عدد السكان والذين بلغ عددهم حسب آخر الأرقام الرسمية المعلنة مليون و107 الآف نسمة، الى جانب محدودية الموارد الطبيعية وسوء استغلالها، ونقص الأراضي ، ونقص الموارد المائية، والحاجة الى الإصلاح الإداري والشفافية، وعدم توافق مخرجات التعليم مع حاجة التنمية ، والتطبيق العادل للقوانين واستئصال الفساد وعدم هدر أموال التنمية، وضرورة تفاعل كافة فئات المجتمع معها وليس فقط متخذي القرار والجهات الرسمية وأصحاب الأعمال ، وغير ذلك من التحديات التي يفترض أن تكون الهاجس والشغل الشاغل لكل القطاعات في المجتمع للحصول على أفضل ناتج ممكن من التنمية في ظل آمال كبيرة ستظل معلقة ما لتم تكن قضية التنمية هي قضيتنا الأولى بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ، فهل نجعل التحديات التي تواجه التنمية شغلنا الشاغل حقاً دون تسييس أو طأفنة حتى لا نتلهى في أمور تزيد الطين بلة .
صحيفة الايام
6 مارس 2010