خصّص محمد حسنين هيكل الحلقة الأخيرة من سلسلة أحاديثه في “الجزيرة” لدور الشباب المحوري والمهم في الثورات والتغيير السياسي والاجتماعي متناولاً على وجه التحديد الحركة الطلابية المصرية نموذجا لحديثه التي انطلقت هباتها المتتالية منذ عام 1968 واستمرت حتى أواخر سبعينيات القرن الماضي. هيكل اعترف، ولو متأخراً، بأن جيل هذه الحركة ظُلم كثيراً ولم تتح له الفرصة الكافية لأن يُعبّر عن نفسه ولتستفيد الثورة من طاقاته الإبداعية الثورية من أجل التغيير والتصحيح، وبيّن هيكل دور هذه الحركة الطلابية في دفع عبدالناصر الى إصدار بيان 30 مارس كمنطلق للتغيير وهو البيان الذي صدر في عام 1968 نفسه.
وكانت الحركة الطلابية قد انفجرت على إثر صدور الأحكام على ضباط سلاح الطيران المتسببين في هزيمة يونيو .1967 لكن وباعتراف هيكل لم تكن أسباب اندلاع المظاهرات الطلابية أحكام الطيران فقط بل اتضح ان هذه الحركة تحمل شعارات انتقادية وأفكارا جديدة وأهدافا للتغيير ولتجديد الثورة وان لم يقل ذلك صراحةً.
وهيكل الذي بيّن دور هذه الحركة في دفع عبدالناصر إلى إصدار بيان 30 مارس ثم دورها بعدئذ في انتفاضة يناير 1977 التي انفجرت بسبب ارتفاع الأسعار، غفل أو تغافل عن دورها العظيم التاريخي في أوائل السبعينيات بعدئذ لتعرية الفساد والدكتاتورية وانحرافات السادات عن الثورة وتخاذله وتلكئه عن قرار حرب تحرير سيناء. فلولا ضغوط الحركة الطلابية وتضحياتها حينذاك لما تردد السادات عن الانخراط في المشاريع الاستسلامية قبل حرب اكتوبر، وبخاصة في ضوء بروز توجهاته اليمينية مبكراً للنكوص عن مبادئ الثورة والتقارب نحو أمريكا وافتعال العداوة مع الاتحاد السوفيتي صديق العرب الأول في مواجهة اسرائيل والداعم الأساسي لهم سياسيا وعسكريا لخوض أي معركة ضدها.
وبدا واضحاً من حديث هيكل الخجل والتردد من الإشارة صراحة الى أن القمع والإهمال والتهميش هو الذي كان وراء اجهاض ووأد أحلام جيل أواخر الستينيات والسبعينيات حتى آلت الأمور الى ما هي عليه الآن من بروز أجيال شبابية ضائعة بين الانحرافات الاجتماعية والانزواء والانكفاء على همومها وشئونها الخاصة وبين انخراطها في تيارات الإسلام السياسي المتطرفة وذلك في ظل ضمور وانحسار اليسار وقوى التغيير الوطنية والديمقراطية عامة.
* * *
} الشباب والجمعيات السياسية
لعل ما ذكره محمد حسنين هيكل عن جيل الشباب المصري الذي برز في أواخر الستينيات بعد هزيمة 67 وطوال السبعينيات تقريبا من حيث ما قام به خلال تلك الفترة الذهبية من دور تاريخي كبير في النضال من أجل التغيير السياسي ينسحب تماما على جيل شبابنا السبعيني الطلابي الذي برز نهوض حركته السياسية التغييرية ثم هبوطها بالتزامن تماماً مع صعود وأفول الحركة الطلابية المصرية. وواجه ذاك الجيل السبعيني البحريني الظروف القاسية نفسها التي واجهها الجيل السبعيني المصري وأدت إلى انحساره ومن ثم بروز أجيال جديدة منذ مطلع الثمانينيات مختلفة جذريا في توجهاتها واهتماماتها عن ذلك الجيل السبعيني الاستثنائي الذي ستظل الحركات السياسية تفتقر إليه ردحاً من الزمن على الأرجح.
ولعل هذا هو محور التحدي الذي باتت تواجهه اليوم الجمعيات السياسية الوطنية منذ إنشائها في أوائل العقد الحالي، فأنت لاحظ معي جيدا فإنه بالرغم من كل مبادراتها وأنشطتها السياسية وما تعقده من تحالفات مع الجمعيات الإسلامية فإنها جميعها تفتقر الى القواعد الشبابية التي تعد بمثابة العمود الفقري لقوة أي قوة سياسية وعماد الحزب ورأس حربته لتوسيع قاعدته الجماهيرية وللتغيير السياسي. ونظرة واحدة متفحصة إلى وجوه الغالبية العظمى من الحاضرين في كل فعاليات تلك الجمعيات منذ انشائها قبل نحو عشر سنوات ترينا أن الغالبية العظمى منهم هي من الجيل السبعيني الذي أضحى اليوم في الخمسينيات من عمره. ولماذا نذهب بعيداً؟ أليس عدد أعضاء كل الجمعيات العمومية للجمعيات التي انعقدت منذ مطلع العقد هو هو لم يتغير ان لم نقل قد قل؟
صحيفة اخبار الخليج
24 فبراير 2010