المنشور

هل نغلق النوافذ؟

هذه الغلواء التي تنتاب مجتمعنا، وتتجلى في أشكال من التطير تجاه مسائل أو مظاهر مختلفة، مرة من حفل غنائي ومرة من برنامج تلفزيوني وثالثة من كتاب يتناول قضية إشكالية، ورابعة من أمر آخر مشابه، وتستنفر في هذه الغلواء أدوات ووسائل شتى من قبة البرلمان إلى المجالس والمنتديات في دليل واضح على ضيق في الأفق أو قصر في النظر في زمن بات فيه الفضاء كله مفتوحا، ولم يعد بوسع احد أن يغلق هذا الفضاء لان ذلك ببساطة فوق طاقته وإمكانياته.
ورغم أن النقاش يدور حول برامج وفعاليات يمكن أن توصف بأنها ترفيهية لا تستدعي كل هذا الضجيج، ألا أن الأمر يعكس تطيرا من أخطارٍ وهمية مردها هذا الخوف مما بات عالم اليوم يطرحه من أشكال تعبير، هي أمر واقع، سواء كانت محط إعجاب أو سخط، وليس من شأن هذه الأشكال أن تهدد ثقافة أو “هوية” المجتمع بالطريقة التي يجري تصورها.
وبعيدا عن هذا الضجيج والملابسات المحيطة به، فإن الثقافة هي فضاء للحوار والتفاعل. وفي الثقافة الوطنية والقومية لأي مجتمع، بما في ذلك مجتمعنا، من العناصر ما يؤهلها لأن تكون ندا للثقافات الأخرى فتمتص منها ما تراه مُفيدا ومُثريا، وتلقي بما تراه خارج سياقها أو عنصرا نافرا في نسيجها.
ثمة رأي يقول أن حجم التدفق الإعلامي، إذا ما انطلقنا من تلك الفكرة القائلة أن الإعلام هو نفسه ثقافة أو شكل من أشكالها، إنما يتوجه نحو مكامن الخطر في بيئتنا الثقافية، التي لم تعد بالقوة التي كانت عليها يوم كان فعلنا الحضاري أقوى أثراً وفاعلية، وبالتالي فعلينا اليقظة والحذر تجاه ما يبث إلينا من مواد.
وتصل الدعوة أحياناً حد إغلاق النوافذ والأبواب تجاه كل ما هو قادم من خارج بيئتنا الثقافية والحضارية، رغم أن إغلاق النوافذ في هذا العصر بات عصيا ومستحيلا. وهناك من يتحدث عما يدعوه “ الأمن الثقافي”، وهو مصطلح اشتق كرديف لمصطلحات سائدة في حقول أخرى كمصطلح الأمن الاقتصادي والأمن الغذائي والأمن الاجتماعي.. الخ، وهي كما نعلم مصطلحات بُنيت في إطار البحث عن استراتيجيات عربية للحد من انكشافنا على الخارج، لكنه في حال الثقافة يبدو مصطلحا هجينا لأنه يحاول التوفيق بين حقلين مختلفين هما الأمن والثقافة.
والحق إننا نحتاج بالفعل إلى الأمن الثقافي، ولكنه ذلك النوع من الأمن الذي يتيح للثقافة العربية أن تحلق بحرية ودون قيود، وان يوفر للمبدعين مناخ الإبداع والعطاء دونما خوف أو قلق، وحين تُحلق ثقافتنا المبدعة عاليا نشعر بأن أجنحتنا قوية، أقوى من ثقافة الاستهلاك والاستلاب.
أما إقامة حواجز بيننا وبين العالم فهو ضرب من الوهم، ولم يعد أمرا متاحا أياً كانت النوايا، لأننا حتى لو أقمنا لأنفسنا بيوتاً معزولة عن الخارج، فإنها في عصر العولمة لن تكون سوى بيوت من زجاج يرى الآخرون كل ما يدور داخلها.
 
صحيفة الايام
24 فبراير 2010