كانت مناسبة طيبة لقراء الكاتب والمثقف البحريني حسن مدن، ليقتربوا من تجربته في الحياة والكتابة، يسرتها لهم حلقة جديدة من برنامج «نلتقي مع»، على شاشة فضائية دبي، الذي تقدمه الدكتورة بروين حبيب.
يحضر مدن منذ 15 عاما في عمود يومي في صحيفة «الخليج» الإماراتية كاتبا متنوع الاهتمامات، يتوجه بتأملاته وانتباهاته إلى قرائه ذوي الأمزجة المتنوعة، ممن صاروا على مدى هذه السنوات يتجاوبون بتفاعل مع المقال، ومع كاتبه المثقف الذي يزاوج بين فاعليته، ناشطا سياسيا يترأس جمعية المنبر الديموقراطي التقدمي، ذات التوجه اليساري في البحرين، وكاتبا في الأدب والخاطرة والتأمل والشأن الثقافي. وقبل ذلك وبعده، هو صاحب تجربة في الحياة لها خصوصيتها، حيث عاش 25 عاما بعيدا عن وطنه، في حالة نفي وإبعاد قسري، قبل أن يعود مع انطلاقة المشروع الإصلاحي الذي أعلنه ملك البحرين في العام 2001.
أطل حسن مدن على جمهور برنامج بروين حبيب بوداعة وبساطة، فاستشف مشاهدوه، والمستمعون إليه، فيه أنسا طيبا، يكاد يشابه الألفة بينه وبين قارئه اليومي، كما أمكن لغير متابعي مقالاته في صحافتي الإمارات والبحرين، ان يتعرفوا الى تجربة مثقف عربي اشتملت على محطات حارة في غير بلد عربي، فقد أقام مدن في القاهرة طالبا جامعيا يدرس الحقوق، ثم عاش قليلا في بغداد، قبل أن يستقر لسنوات في بيروت، ثم يغادرها إلى دمشق التي تركها لاحقا للدراسة في موسكو، حيث حاز الدكتوراة في الآداب والفلسفة، وبعدها يستقر في الإمارات، قبل العودة إلى البحرين. سألته بروين عما كانت عليه في هذه المدن أحلامه وطموحاته وهواجسه ومشاغله، فأجاب مشيرا إلى جيله الذي كان مأخوذا بالحلم وبالوعود الكبرى والآمال العديدة، من دون ان يعرف ان مرحلة الخسران والهزائم ستكون طويلة.
لم يعمد المثقف البحريني، صاحب كتاب «ترميم الذاكرة» وغيره، إلى ادعاء بطولات سياسية وفكرية لديه، بل بالكاد يتعرف المستمع إليه في البرنامج إلى ما قام به بالتحديد منذ انخراطه المبكر في العمل السياسي والتنظيمي في بلاده، ثم في عضويته في الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في القاهرة، وتاليا، ناشطا في تجمع يساري محظور، هو جبهة تحرير البحرين. قال ان تضحياته قليلة، قياسا لما قام به آخرون من أهل بلده ومثقفيه وسياسييه ومناضليه، كما أن اعتقاله كان لأسبوعين أو ثلاثة، غير أنه بكثير من الوجع، أشار إلى حرمانه من جواز السفر، ومن العودة إلى بلده، وفي أثناء إقامته في بيروت يعرف بالمصادفة بوفاة والديه.
كان في محله ان تذهب بروين حبيب في محاورتها ضيفها إلى المناطق التي يشترك فيها الحياتي الخاص مع الثقافي والسياسي العام، لأن في تجربة حسن مدن مساحات غنية منها، لا سيما في أثناء اشتباكه المباشر مع الشأن السياسي، بإطاريه الحزبي والتنظيمي، قبل إقامته في الإمارات عشر سنوات، عمل في أثنائها مسؤولا في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة ومديرا لتحرير مجلة «الرافد». وهي فترة كان فيها عطاؤه الإبداعي في الكتابة والبحث والدرس والتأمل في الظواهر الثقافية خصبا ومتنوعا، وعبّر عن ذلك بتقدير كبير في إطلالته التلفزيونية في «نلتقي مع».
تكتمل هذه المرحلة حين العودة إلى البحرين، ليجدها بلداً آخر غير الذي غادره في شبابه الأول، والذي في الذاكرة والصور البعيدة، فينخرط في عمل سياسي له إطاره الجمعوي التنظيمي، صدورا عن قناعته الأولى بأن على المثقف ان يضطلع بدور في مجتمعه، وبفاعلية من لديه إرادة التغيير. وهنا يؤشر مدن إلى صعوبة الوضع الراهن في البحرين، جراء صعود التيارات الطائفية وغير الحداثية. وفي هذا المناخ، تعمل جمعية المنبر الديموقراطي التقدمي، باعتبارها امتدادا تنظيميا للتيار اليساري العريق في البحرين، والذي كانت مشهودة تضحيات مناضليه وشهدائه ومعتقليه.
طاف الحوار مع حسن مدن في «نلتقي مع» على شؤون تنوعت في العام والخاص، وبدا هذا الكاتب، بوداعة حضوره ورهافة تأملاته، حريصاً على البساطة الراقية والعميقة، حين يخوض في قضايا السياسة والكتابة والقراءة، وفي حديثه عن أصدقائه وصديقاته الذين لم يسم أحدا منهم، وفي قوله ان الصداقة شكل من الحب، وفي تشديده على الحداثة في الثقافة والسياسة أفقا لمجتمعاتنا العربية، وكذا في إجاباته الصريحة بشأن كتابته عمودا صحافيا يوميا، وهو ما لم يكن متأكدا من نجاحه فيه في البدايات، وقناعته في هذا الصدد ان المقال جنس أدبي إبداعي راق، وان دلت الغابات من الأعمدة اليومية في الصحافة العربية على استسهاله والاستخفاف به، على ما قال.
جريدة” السفير” اللبنانية
18/2/2010