أعظم ذكرى تلك التي تتعرض للبداية والتأسيس وهي ذات معانٍ كبيرة والتي انبثقت منها قوةً تمددت عبر التاريخ والجغرافيا ولم يتمكنوا من إجهاضها.
أين لنا ذلك الشخص الذي حضر الأيام الأولى للتأسيس حتى يروي لنا ويسجل ما نحن متعطشون لمعرفته. إن 15 فبراير الذي يتجدد كل عام ونحن في ذكراه الخامسة والخمسين لم نكن قادرين في السنوات الماضية على الاحتفال به إلا باسم عيد الحب في مجموعات قليلة إلى أن أصبح بإمكاننا الوصول إلى مرحلة الاحتفال بحرية وعلانية, إنه يتجدد كل عام يحمل لنا وللأجيال كيف أن فئة مناضلة استطاعت رغم القمع والاضطهاد والتخلف الاجتماعي أن تضع ذلك الأساس البسيط الذي امتد خلايا في كل الأنحاء. صحيح أن فئات عديدة لم تقوَ على مواصلة الطريق بفعل الإرهاب والملاحقة إلا أن فئات أخرى كانت تستلم الراية وتواصل العبور عبر الزمن وهذا بفعل الفكر الصائب الذي امتدت جذوره داخل الأرض.
يقال أن هندرسون أقام حفلاً عام 1969 بمناسبة ما أسماه القضاء على جبهة التحرير ولكن هل انتهت مهمته تلك؟ أبدا، ظل يصارع هو وجهازه أعواماً طويلة أثمرت لجبهة التحرير جماهيرية واسعة فأين ما تمد بصرك تلاقي فعلها في المجتمع، ففي مجال الصحة تجد أطباء تعلموا في الخارج في زمن لم يكن هؤلاء يملكون القدرة على تعليم أنفسهم وهذا مجرد مثل فهناك المحاماة وغيرها من مهن كثيرة حتى الذين لم يحصلوا على شهادات عادوا وفي جعبتهم مستوى ثقافي ميز فيهم وعي ومعرفة بشؤون الحياة .
قدمت الجبهة طوال سنوات النضال التضحيات الكثيرة واستشهد من رجالها تحت التعذيب أشخاص أصبحوا رموزاً لهذا الشعب إلى جانب من سُطرت أسماؤهم كشهداء في تاريخ البحرين.
في أزماننا الكثيرة كانت تتعرض الجبهة إلى ضربات موجعة، لكن العمل السياسي يستمر، فالقواعد تعمل بشكل طبيعي، ففي عام 1969 قيل إن الجبهة أصيبت
بضربات كثيرة على كافة مستوياتها بما فيها الموجودة في المنطقة الشرقية من السعودية ومن بعدها الموجودة داخل البحرين، لكن العمل كان متواصلاً، وكنا نتصرف وكأن الجبهة لم يصبها الأذى وعندما جاءت انتخابات المجلس الوطني أصيبت السلطة بالهلع لأن هؤلاء الذين أُجهز عليهم كما تظن السلطة؛ يتصرفون وكأن ما حدث من الأمور العرضية. وعلمتنا الأحداث بأن كل شي متوقع ولهذا لم نُصدم، وبالعكس، فكثير ممن التحقوا بنا نبهتهم هذه الضربات والاعتقالات، طلبوا المشاركة.
ولأن التثقيف والتثقيف الذاتي أساسي داخل الاجتماعات، فإن كثيرين وجدوا أن الجبهة ليست فقط منظمة سرية، لكنها مدرسة حزبية في العمل السياسي وكانوا يرونها مدرسة يتعلمون فيها. وعندما نزلنا الانتخابات أكدنا على إننا منظمة تريد الخير للوطن وأن السلطة كلما استجابت لمطالبنا كان هذا أفضل للمجتمع.
عندما نتذكر شهداء الوطن لا ننسى مئات بل الآلاف الذين دخلوا السجون والذين تضرروا نفسياً وجسدياً سواء كانوا من مناضلي الجبهة أو من العناصر الوطنية الأخرى، وإن مطالباتهم المستمرة كان حصيلتها هذه المعاناة التي نلمسها في وجوه وأجساد الكثيرين.
ما الذي يدعو سلطة قوية وجهاز مخابرات يديره ضباط بريطانيون يستمدون قوتهم من قوة دولتهم، ما الذي يدعوهم إلى نفي شباب في العشرين من أعمارهم إلى جانب أشخاص أكبر منهم سناً عام 1969 لولا إنهم يعرفون أن قوة الجبهة في تمسك رجالها وشبابها بمواقفهم وبأفكارهم و ببرنامج عملهم التنظيمي المعلن.
لم نجد الفرصة للاحتفال في السابق بسبب القمع المتصل والمتواصل وعندما حدث التغيير وحلت الفرصة وجدنا أنفسنا في وضع لم نكن نتمناه، فالتيارات التي سيطرت على الساحة السياسية ليس في البحرين فقط بل في أنحاء العالم هي تيارات رجعية ونحن الآن أمام تحدِ جديد ينبع من الفكر. فكر متخلف يخدع الجماهير ويسيطر على عواطفها ويندفع بها إلى لا شيء، وقسم كبير منه متحالف مع السلطة. وهذا لا ينسينا أبداً أن السلطة وإن تخلت في الظاهر عن أسلوبها القديم فهي تمارسه بأساليب كثيرة وقد تعود إليه بين فترة وأخرى.
إن انتقالنا إلى العمل العلني هو مفخرة تلك التضحيات وإن كنا لم نعطيه الزخم المطلوب حتى الآن .