المنشور

العمالة غير النظامية

منذ بداية ثمانينات القرن الماضي ووزارة العمل تشكل اللجان وتنسق مع وزارة الداخلية للوصول الى حلول مناسبة تحد من ظاهرة العمالة الهاربة او كما تسمى اليوم بالعمالة غير النظامية. في ذلك الوقت كانت حملات التفتيش يرافقها “جيب” يتبع الشرطة لملاحقة هذه العمالة التي غالباً ما تتجمع في الاسواق وميناء سلمان. كانت المشكلة بالاضافة الى خطورة مطاردة العمال في الشوارع خشية من حوادث السيارات تنحصر في ما ان يتم القبض على العمال الهاربين حتى يتبين ان الغالبية من المقبوض عليهم على اتفاق مع اصحاب العمل الذين ينفون هروبهم في الحال ونقصد اصحاب العمل “المسنودين” منهم وان هذا الاتفاق شرطه الاساسي هو ان يدفع العمال مبلغاً شهرياً لصاحب العمل، بالاضافة الى رسوم تجديد الاقامة سنوياً، وأما العمالة التي يتبين انها بالفعل هاربة وعادة ما يكون عددها قليل تحجر تمهيداً للتسفير.
وعلى هذا الاساس، لم توفق في السابق حملات التفتيش العمالية وبالتالي كانت هذه الظاهرة تتفاقم باستمرار والسبب يعود الى “البزنس” الذي كان مربحاً وعلى هذا الاساس ايضاً لم ينفع “الجيب” ولا اللجان؛ لان المسألة كانت تستدعي المساءلة القانونية والجنائية اي تستلزم محاكمة هكذا اصحاب عمل وكل المتورطين الذين استغلوا هذه العمالة وتاجروا بها وان حدثت هذه المساءلة فانها تقع على “الطوفة الهبيطة” من اصحاب العمل!!
ومع ذلك، تقع اللائمة ايضاً على العمال الهاربين انفسهم وخاصة اولئك الذين فضلوا الهروب بحثاً عن عمل آخر دون ادنى تقدير لصاحب العمل الذي كلفه الاستقدام كثيراً. ومن ناحية اخرى، كانت اسباب الهروب التي يفترض من وزارة العمل ان تبدي اهتماماً بها الاجور المتدنية وظروف العمل والمساكن غير الصحية فضلاً عن ساعات العمل التي تتجاوز في اليوم الثماني ساعات بكثير!!
واما اليوم فعلاج هذه الظاهرة أخذ اساليب جديدة ربما اكثر نفعاً من التي كانت قبل ثلاثين سنة وخصوصاً تلك العلاجات التي تشرف عليها هيئة تنظيم سوق العمل والتي اهم القرارات الصادرة عنها على صعيد هذه الظاهرة قرار حرية انتقال العامل الاجنبي الذي قد يخفف من حدة هذه المشكلة رغم التحفظات الكثيرة من بعض اصحاب الاعمال الذين يؤكدون على وجود ضوابط تضمن مصالح جميع الاطراف وتحقق التوازن المطلوب في سوق العمل خوفاً من انتشار الفوضى في هذه السوق في حين ان هذا القرار الذي مضى عليه اكثر من خمسة اشهر من تطبيقه لاقى استحساناً وتأييداً من الاتحاد العام لعمال ونقابات البحرين وكذلك المنظمات العمالية والحقوقية الدولية ومع اهمية تشكيل اللجنة العليا للاشراف على الحملة الوطنية لمعالجة ظاهرة العمالة السائبة التي كما قلنا تسمى اليوم بالعمالة غير النظامية والمكونة من ممثلين عن هيئة تنظيم سوق العمل والنيابة العامة ووزارة الصناعة والعمل والداخلية والثقافة والاعلام وغرفة التجارة والاتحاد العام للعمال والنقابات وجمعية المقاولين فان ردود الفعل الصادرة عن اتحاد العمالة واصحاب العمل ولا سيما المتضررين منهم من هذه الظاهرة تأمل من هذه اللجنة ان تغلق الابواب في وجه المتنفذين والمتاجرين في هذا الأمر من الحلول المهمة لمعالجة ملف العمالة السائبة، كما يجب اعادة النظر في منح التأشيرات وتطبيق القوانين الصارمة لمعاقبة بائعي التأشيرات والمطلوب ايضاً تعاون التجار والمقاولين مع هيئة تنظيم سوق العمل للقضاء على السوق السوداء ووجود فريق تفتيش جاد ومستمر في عمله وفضلاً عن ذلك ان العمالة السائبة خلقت اثاراً سلبية على المجتمع والاقتصاد بسبب تحويل الاموال الى خارج المملكة، وان المتاجرة وتأجير السجلات وانشاء مؤسسات وهمية ادت الى منافسة المواطنين في القطاعات الخاصة.
لقد اوضحت التجربة في السنوات العديدة الماضية بجلاء ان الحلول لا تقتضي التشريعات فقط ولا اللجان وانما وبالرغم من اهمية ذلك تقتضي ايضاً ان تكون هذه التشريعات واللجان فاعلة دون اعتبارات لا تحترم القانون الذي هو فوق الجميع، وان مسؤولية هذه الظاهرة لا تقع فقط على العمالة الهاربة التي من دون شك هي محط استغلال المتاجرين بل تقع ايضاً على بعض مؤسسات القطاع الخاص التي تشجع هذه الظاهرة لمصالح ضيقة ولا تستبعد هذه المسؤولية عن هيئات وجهات لها علاقة مباشرة بهذه الظاهرة.
وبالتالي، فاللجنة العليا المشرفة على معالجة الظاهرة امامها مهمات كثيرة ومعقدة نتمنى ان توفق في عملها وبرامجها وخططها وخاصة ان هذه الظاهرة مصدر ربح للذين يتاجرون بها.
 
صحيفة الايام
13 نوفمبر 2010