مرت قرابة عشر سنوات على ظهور العمل السياسي للعلن، وبروز جمعيات سياسية (أحزاب)، منها أحزاب برزت من رحم الأحزاب التي مارست العمل السياسي المعارض سراً، ومنها أحزاب برزت ولم يعرف عنها يوماً ما أنها مارست عملاً سياسياً في فترات النضال السياسي السري، بل إن أصولها السابقة بشكل أو آخر تصب في الموالاة شبه المطلقة للسلطة حقاً أو باطلاً، وهذا لا يعني أننا نسلب حقها في تشكيل أحزابها أسوة بالأحزاب التي تصنف على أنها معارضة.
الآن ورغم مرور السنوات العشر ووجود الحاجة التاريخية والملحة إلى بروز تيار وطني ديمقراطي قوي، يخلق حالة من التوازن في المجتمع مع تيارات الإسلام السياسي بمختلف تلاوينه وأشكاله من جانب، وتوازن مع السلطة من جانب آخر، كل ذلك رغم تمثيل قوى التيار الوطني الديمقراطي لشريحة واسعة من الشعب، وهي قد تكون غير بارزة على السطح، بفعل عوامل عدة منها ما هو ذاتي، ومنها ما هو بفعل السطوة التي امتلكها الإسلام السياسي بتأثير الدين والإمكانات المالية التي يوفرها لها من الصناديق الخيرية والزكوات والصدقات والأخماس، بل أحياناً بفعل السلطة وتحالفاتها الظاهرة والمستترة معه، ولا نستبعد في ذلك وجود دعم مالي لها من الخارج.
إلا أن تلك الحاجة التاريخية والملحة وحتى الآن لم تؤدِّ إلى بروز تيار وطني ديمقراطي قوي متماسك موحد القوى، وإن كانت هناك ثمة تباينات بين أطرافه المتعددة، فالتباينات والاختلافات ليست سبباً لتفرقه وضياع جهوده، فالتباينات والاختلافات هي ظاهرة صحية إن أحسنّا استخدامها، وهي موجودة حتى داخل الحزب الواحد.
ونحن نتحدث عن الضرورة التاريخية والملحة التي تدعو إلى بروز تيار وطني ديمقراطي كقوة فاعلة يأخذ دوره الرائد والمطلوب، دائماً ما تطرح تساؤلات ما هي مكونات هذا التيار من أحزاب وأشخاص ومؤسسات؟ والمهم هل هو من أولويات جمعيات (أحزاب) هذا التيار، سواء على صعيد الخطاب أو البرامج والفعل لدى هذه الجمعيات؟
حاولت أن أرصد جانباً من الخطاب لدى أحزاب هذا التيار ولدى الأفراد المنتمين إلى هذه الأحزاب، ولا أدعي أنني سأعكس هذا الخطاب بصورة حقيقية ووافية، ولكن في حدود ما اطلعت عليه وفي حدود القناعة الذاتية المتولدة لدي نتيجة نقاشاتي مع العديدين، وقد أكون مصيباً في جانب ومخطئاً في جانب آخر، لذلك أدعو من يعنيهم الأمر مساعدتي ومساعدة القارئ في التعقيب على ما يجدون أنها وجهة نظر خاطئة وغير صحيحة.
في حدود ما تمكنت من الاطلاع عليه من خطابات ذات علاقة بالمنبر الديمقراطي التقدمي أبدأ.
من ضمن الأهداف التي نص عليها النظام الأساسي هناك البند (3/10) الذي نص على «العمل على تعزيز التعاون والتنسيق بين مؤسسات العمل الوطني الديمقراطي وترسيخ الوحدة الوطنية على أساس التنوع والقبول بالآخر». لم أجد من ضمن الأهداف هدفاً صريحاً ينص على ضرورة السعي إلى بناء تيار وطني ديمقراطي غير هذا النص الذي لا يرقى إلى الحد الأدنى للهدف المعني.
وبالعودة إلى البرنامج السياسي للمنبر الديمقراطي التقدمي، الذي هو المرشد الأساسي للحزب في عمله، لم أجد غير عبارة وردت في سياق التعريف بالمنبر كتنظيم، جاء فيها «ويعتبر المنبر الديمقراطي التقدمي جزءاً رئيسياً من الحركة الديمقراطية والشعبية في البحرين، وامتداداً لتقاليدها الكفاحية». وهنا أعتقد أن موضوع بناء التيار الوطني الديمقراطي كان يجب أن يأخذ حيزاً واسعاً في البرنامج، وكان يستحق أن يُفرد له فصل مستقل؛ حيث إن الواقع يقول لنا إنه لا يكفي أن نتغنى بالماضي وأمجاده من دون الوقوف بجدية ومسؤولية تجاه واقعنا الحاضر، لتحديد ما هو مطلوب وبجرأة متناهية.
لقد وجدت في بيانات صادرة عن الهيئات القيادية في المنبر الديمقراطي التقدمي، وفي كلمات الأمين العام له أثناء مؤتمرات التنظيم، وكذلك في كثير من المقالات التي كتبها الأمين العام، وخصوصاً سلسلة المقالات التي نشرها حديثاً في صحيفة «الأيام» والتي دعا فيها إلى ضرورة بناء كتلة سماها الكتلة الديمقراطية، وكذلك مقالات كتبها بعض قيادات التنظيم، وهناك كذلك ورقة مهمة وتفصيلية أعدها عضو اللجنة المركزية ورئيس اللجنة التنظيمية في المنبر الديمقراطي التقدمي المحامي حسن إسماعيل، تناول فيها وحدة التيار الوطني الديمقراطي كحاجة ملحة، إضافة إلى مناقشاتي المباشرة مع كثير من الرفاق في المنبر الديمقراطي التقدمي، وجدت في كل ذلك اهتماماً بالغاً وإحساساً شديداً بضرورة بناء تيار وطني ديمقراطي يستطيع أن يقوم بالدور المطلوب منه في الحاضر والمستقبل.
لست بصدد عرض ما كتبه الأمين العام أو حسن إسماعيل وآخرون من المنبر الديمقراطي التقدمي، رغم أنها تستحق العرض والمناقشة، لكنني أعتقد أنها تصلح كأوراق عمل من ضمن أوراق أخرى يمكن أن يتقدم بها آخرون من المهتمين بالتيار الوطني الديمقراطي، على أن تناقش في أوساط هذا التيار بجدية ومسؤولية تمهيداً لعقد مؤتمر لقوى هذا التيار لتحديد إطار وآليات عمله وبرنامجه الموحد المستمد من برامج جمعياته وآراء شخصياته الوطنية الديمقراطية.
سأكمل في خطاب جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) وخطاب التجمع القومي الديمقراطي، حول التيار الوطني الديمقراطي في مقال مقبل.
الوقت 9 فبراير 2010