بعد الحرب العالمية الثانية وبالذات في عقد الخمسينات من القرن العشرين كان العالم عامة، وآسيا وأفريقيا خاصة تعجان بحركات التحرر وباستقلال المستعمرات، و بإعلان الجمهوريات، وبتأميمات النفط والمؤتمرات التضامنية. وكانت الدول الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي تقدم كل إمكانياتها وتدعم علناً حركات التحرر والأحزاب الوطنية والدول المستقلة حديثا.
فكانت هناك جبهة التحرير الجزائرية التي تكونت عام 1951 وأعلنت الثورة المسلحة على المستعمرين الفرنسيين في نوفمبر 1954 ومن ثم أعلنت عام 1958 حكومة الجزائر المؤقتة برئاسة فرحات عباس. وجبهة التحرير الفيتنامية برزت عام 1954 معلنة الكفاح المسلح ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وحركة مصدّق في إيران، وتزعمه للجبهة الوطنية في البرلمان وقيامهم بتأميم شركة النفط البريطانية الإيرانية بين عامي 1951 و 1953. وثورة 23 يوليو 1952 في مصر. والعدوان الثلاثي على مصر وهزيمة المعتدين: بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، حيث كان هذا العدوان الثلاثي أو حرب السويس هو بالأساس غزواً قامت به كل من بريطانيا وفرنسا باشتراك إسرائيل على حدود الجمهورية العربية المتحدة بحراً وجواً على بور سعيد وقناة السويس وبراً عن طريق سيناء وقطاع غزة عام 1956.
وثورة 14 تموز 1958 في العراق وسقوط النظام والحكومة المستبدة ركيزة المستعمر البريطاني التي يرأسها الطاغية نوري السعيد وقيام الجمهورية العراقية برئاسة عبد الكريم قاسم. وكذا باقي الثورات والحركات في آسيا وأفريقيا كثورة غانا وغينيا والكونغو وحركة هيئة الاتحاد الوطني في البحرين عام .1954
إلى جانب عقد أهم المؤتمرات الدولية وهو مؤتمر باندونج في اندونيسيا والذي عقد في 24 ابريل 1955 واشتركت فيه 27 دولة وفي مقدمتها جمهورية الهند برئاسة جواهر لال نهرو وجمهورية مصر برئاسة جمال عبد الناصر وأندونيسيا برئاسة الدكتور أحمد سوكارنو الذي قام بتنظيم المؤتمر الآسيوي الأفريقي والذي عرف بمؤتمر باندونج ثالث المدن الاندونيسية.
في هذه الظروف العالمية وفي هذا الزخم تأسست في مدينة المنامة في 15 فبراير 1955 جبهة التحرير الوطني البحرانية. وكان العامان 1955 و1956 هما مرحلتا التأسيس، أما مرحلة الاتساع وإحراز النجاحات والمساهمات في الفعاليات العربية والدولية فقد نشطت بشكل ملحوظ مع مطلع العام 1957 وتقدمت واتسعت بشكل ملموس يبعث على الفخر في العام 1958. وأهم الخصائص المميزة لتلك المرحلة هو الانخراط الواسع والكثيف والملحوظ لكثير من أبناء العوائل البحرينية المعروفة في صفوف جبهة التحرير،أعضاء وأنصاراً وأصدقاء، ومن بين تلك العوائل عائلة الذوادي والبنعلي والعجاجي ودويغر وبن خميس والسلمان وعائلات كثيرة جداً أخرى. وفعلا كانت جبهة التحرير مصنعاً للرجال.
فمن منزل واحد يأتيك أكثر من عضو أو نصير أو صديق، فمثلا من منزل واحد أتي كريم محمد علي السلمان من مواليد العقد الأول من القرن العشرين وحسن محمد علي السلمان من مواليد العقد الثاني وسعيد محمد على السلمان من مواليد العقد الثالث وابن عمهم سلمان محمد جواد السلمان من مواليد العقد الثاني وابنهم جعفر حسن محمد علي السلمان من مواليد العقد الرابع. ومن منزل آخر لا يبعد عن المنزل الأول إلا أمتاراً قليلة أتي عبد العزيز الشيخ علي آل عباس واحمد الشيخ علي ومحمد علي الشيخ علي وعبد الحسين الشيخ علي وقبلهم خالهم كريم كالعوض وابن شقيقتهم المهندس السيد عيسى السيد سعيد. هذا على سبيل المثال لا الحصر.
فالمرحلة كانت تبعث على الانخراط في النضال ضد المستعمر من أجل الوطن والكرامة، لدرجة أن كشافة هيئة الاتحاد الوطني في العام 1955 كان يرأسها الشيخ راشد بن محمد الخليفة مع زميل له، وأن اجتماع هيئة الاتحاد الوطني في مسجد مؤمن بالمنامة في العام 1955 لرص الصف ضد الطائفية التي حاول المستعمر أن يبذرها في وطننا، ألقى الشاعر الشاب غازي عبد الرحمن القصيبي قصيدة ثورية.
بعد مرحلة التأسيس وفي ظل العمل السياسي السري، صارت جبهة التحرير تدفع نحو تسريع درجة الوعي في الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتصر على التوجه الجاد للطبقة العاملة الفقيرة والنضال من أجل رفعتها والدفاع عن حقوقها بالعمل دون هوادة بين الجماهير والشغيلة وتوعيتهم فكان الخط العام هو عدم ترك الممكن وطلب المستحيل. فالمصلحة العامة للجماهير المضطهدة هي الهدف الأول. لذا كان النضال داخل الجبهة مع النفس أولا مما مكن الجبهة بالرغم من أن عودها لا يزال أخضر من اكتساب ثقة الجماهير؛ نتيجة انضمام خلايا متفاوتة الثقافة والعمر والمكانة الاجتماعية.