المنشور

خليجنا.. بقرة «حاحا النطاحة»

مررنا في الأسبوع الماضي، وهذا الأسبوع برسائل متبادلة، خطيرة، بين الغرب وإيران، وكأن المواجهة العسكرية الحتمية بينهما «قاب قوسين أو أدنى».. طهران تعظم من قدراتها العسكرية والنووية ومبتكراتها التكنولوجية في هذه «المواجهة» بعناوين: «النووية والعسكرية»، وواشنطن، باريس وبرلين «تنفخ بقدر ما تستطيع» لإقناع دول العالم، ومن بينها دول الخليج، بأن «الأمر جاد» لما فيه الكفاية بهذه القدرات الإيرانية، وتقوم هذه الأخيرة على طريقة «الغرقان الذي يتشبث بقشاية» بفتح خزانات الدول على الواسع لشراء مزيد من الأسلحة «الدفاعية» للقادم «المجهول، المرعب»، مع أن الأمر لا هذا ولا ذاك، ولا هم يحزنون: إيران تصدّر ما يمور في داخلها إلى الخارج، والغرب يستثمر مزاعمه وقدراته العسكرية والتسليحية الرادعة، فيما دول الخليج مثل «البقرة الحلوب» تشتري من تجار السلاح ما تجود به للدفاع عن نفسها، فدولة اشترت 80 طائرة «إف 16»، والذي منه، بـ 15 مليار دولار، والثانية اشترت في سنتين أسلحة بـ 25 مليار دولار، والدول الأخرى في آخر تقليعة اشترت «درع صاروخية»، والمفارقة أن كل هذه الأسلحة تسقط في أول اختبار وفي أصغر مواجهة داخلية، لا علاقة لها لا بـ «العدو الصهيوني»، ولا بـ «التوسع الفارسي والهلال الشيعي المخيف».
الملاحظ، أن واشنطن تبتز دول الخليج، بوضع «فزّاعة قدرات إيران العسكرية والنووية، كخطر ينبغي ردعه قبل أن يتنامى»، وطهران تمارس الدور ذاته من حيث «تدري أو لا تدري» بعلامات التفاخر بـ «رعد ونذير»، وتخصيب اليورانيوم، وكذا «غزو الفضاء الخارجي، وتطوير الصواريخ»، وما إلى ذلك من «فخفخة» عسكرية تضاهي الاتحاد السوفيتي السابق في صنع صواريخ أكثر تقنية من «إس 300 السوفيتية العابرة للقارات»، وكأنهم لا يدركون أن الإمبراطورية السوفيتية وترسانتها المسلحة التي كانت تتبارى بها مع الولايات المتحدة والغرب الإمبريالي، سقطت عندما دهست دبابة سوفيتية مواطناً واحداً من مواطنيها في العام 1991 تحت عجلاتها بمصادفة عمياء، لتتغير خريطة العالم منذ ذلك التاريخ: فلا ترسانة الأسلحة التي كانت ثاني قوة عظمى عالمية – إن لم تكن الأولى في العالم – نفعت في بقاء هذا الاتحاد، ولا الدعاية الأيديولوجية استطاعت أن تبقيه إلى الأبد، كما يردد مريدوه.
دعونا نتأمل، من دون تشنج أيديولوجي، ولا خزعبلات ثورية، قومية أو مذهبية تتشبث بـ «القائد المنقذ»، لنتساءل مع المتسائلين: هل الولايات المتحدة، والدول الغربية التي تتهمها إيران بالدور الكبير في الثورة المخملية، أو الناعمة، تسعى فعلاً إلى تغيير النظام الجمهوري الإسلامي المتشدد، وبالتالي تعتزم المواجهة العسكرية مع هذا النظام الذي تصفه بـ «أقسى وأشد المفردات والعبارات»، سواء من خلال «قمعه الوحشي لشعبه، أو تحديه للمجتمع الدولي ببرنامجه النووي»؟.
الجواب على هذا السؤال ليس سهلاً، كما يتصوره البعض، لكنني شخصياً أشك في أن الرئيس باراك أوباما، أو غيره من الرؤساء السابقين واللاحقين، يجرؤ على إسقاط النظام الإيراني، أقلها في هذه المرحلة الحرجة بالنسبة إلى الاقتصاد الأميركي، وإن توافقت قناعات الرئيس مع ضرورة التغيير في إيران نحو نظام ديمقراطي حقيقي، فإن شركات السلاح الأميركية مستعدة للتضحية برئيسها، لكنها غير قابلة للتفاوض، وذلك لبقاء إيران «فزّاعة» خليجية تحلب مليارات الدولارات من قوت شعوبها «بعيداً عن رصد هذه المليارات لتنميتها المستدامة وبناء بنيتها التحتية»، بقصد حمايتهم من «الخطر الإيراني».. والسؤال الأهم: هل الأميركان بهذه السذاجة لتطبيق شعارهم المعروف: «مبادئ.. ديمقراطية.. حقوق إنسان!» على حساب مصالحهم الاستراتيجية في تجارة «الموت» – السلاح؟
 
صحيفة الوقت
12 فبراير 2010