منذ أكثر من مائة عام، وبالتحديد في العام 1898 كتب قاسم أمين يقول: “ أن المرأة لا يمكن أن تكون وجوداً تاماً إلا إذا ملكت نفسها وتمتعت بحريتها الممنوحة لها بمقتضى الشرع والفطرة معاً، ونمت ملكاتها إلى أقصى درجة يمكنها أن تبلغها”. جاء ذلك في كتابه الشهير: “تحرير المرأة” ودعوة قاسم أمين الجريئة في الانتصار لحقوق المرأة شقت طريقها يوم ذاك، حين لاحظ أن “ لدى المرأة عندنا من الاستعداد الطبيعي ما يؤهلها لأن تكون مساوية لغيرها في الأمم الأخرى” لكنها في حالة انحطاط شديد، وليس لذلك، كما يرى، سبب آخر غير كوننا جردناها من العقل والشعور وهضمنا حقوقها المقررة لها وبخسناها قيمتها”.
ما قاله قاسم أمين يوم ذاك يبدو عاجزا عن الإحاطة بالوضع الذي بلغته المرأة العربية. والجديد قي الأمر ليس تراجع وعي الرجل بقضية المرأة، فهذه كانت مشكلة مزمنة على الدوام، وفي حالات كثيرة التبس الجانب الاجتماعي من قضية المرأة بسطوة الرجل، لكن الأمر يتجلى اليوم في تراجع وعي المرأة نفسها بقضيتها وميلها للتسليم بدونيتها واعتبار ذلك أمرا طبيعيا.
كان قاسم أمين أكثر نضجاً وجرأة ووضوحا من بعض دعوات النسوية العربية التي أساءت لقضية المرأة أكثر مما خدمتها، بل إن بعض هذا الانتكاس الراهن في قضية المرأة إنما يعود لمغالاة هذه النسوية وأُحاديتها الصارمة التي لم تجعلها قادرة على رؤية قضية المرأة في تعقيداتها كاملة، ولكن ثمة وعياً مغلوطا بهذه القضية يسود صفوف النساء بمقدار لا يقل عن سيادته صفوف الرجال، بحيث بتنا نفتقد تلك الأصوات النسائية الجريئة التي ذادت عن قضية المرأة ورؤيتها في الإطار الاجتماعي الأشمل، بل وشكلت جمعيات وهيئات للدفاع عن حقوق المرأة، كان عدد عضواتها يعد بعشرات الآلاف في بعض البلدان العربية .
ثمة مصادفة تستدعي التوقف هما، هي أن الغرب احتفل هو الآخر منذ سنوات أيضا بالذكرى الخمسين لصدور كتاب سيمون دوبوفوار الشهير: «الجنس الثاني» . كانت الأطروحة الرئيسية في هذا الكتاب هي أن المرأة تصبح امرأة بحكم التنشئة الاجتماعية التي تنظر للمرأة بوصفها اقل مكانة من الرجل.
لكن احتفالات الغرب بمرور نصف قرن على صدور كتاب رفيقة جان بول سارتر، كشفت أن الغرب يعيد النظر في كثير من بديهيات هذا الكتاب. ثمة ميل متزايد نحو توكيد الأنثوية كمقابل للنسوية التي أرادت أن تجعل من المرأة رجلا آخر في صورة امرأة.
ويجد البعض في العالم العربي في هذه المراجعة في الغرب بُرهاناً على صواب الدعوة لنبذ مفهوم تحرر المرأة. غير ان هذه المقارنة لا تجوز، فالمرأة هناك لا تتراجع عن حقوقها الأساسية في مختلف الحقول ولا يتراجع وعيها بنديتها للرجل كانسان وشريك، إنما تجري مراجعة مفاهيم متطرفة لم تراعِ خصوصية المرأة كتكوين ووجدان، أما التقهقر الذي أصاب وضع المرأة العربية، فهو في الجوهر نفي لمكانتها الاجتماعية، وتسليم مجاني وطوعي من جانب المرأة بهذا النفي، بالصورة التي تبرر الحاجة إلى رجال ونساء من طينة وشجاعة قاسم أمين الذي عاش وكتب قبل قرن من الآن.
صحيفة الايام
10 فبراير 2010