بعد أن كانت المجتمعات المسيجة لا تتعدى مجموعة من المنازل المحاطة بسياج ضمن ما تعارف عليه بالحدائق السكنية أصبحت الآن مدن بكاملها تحتوي على جميع الخدمات والأماكن الترفيهية, وبعد أن بدأ تشييد هذه المدن بعيدا عن التجمعات السكنية للمواطنين أصبحت الآن تغزو قراهم وتسد المنافذ البحرية عنهم بحيث لا يمكن للأهالي لا الاسترزاق مما يجود به البحر كما كان آباؤهم وأجدادهم ولا أن يستمتع أبناؤهم بمنظر البحر ويلعبون على شواطئه.
لقد انتشرت المجمعات المسيجة في البحرين منذ ثلاثينيات القرن الماضي عندما أنشئت مدينة عوالي ليعيش فيها موظفو إحدى الشركات الأجانب في مجتمع أقرب إلى وطنهم الأم منه إلى المجتمع البحريني المتخلف في وجهة نظرهم في ذلك الحين، وبعد مدينة عوالي انتشرت المجمعات المغلقة «الكامبونات» بشكل لافت في أغلب مدن وقرى البحرين لتفصل من هم داخل السياج عن من هم خارجه.
وبغض النظر عن ما يمكن أن تسببه المجتمعات المسيجة – التي غالبا ما تنشأ على الشواطئ أو في وسط البحر – من تدمير للبيئة البحرية وبغض النظر عن ما تستحوذ عليه من أراضي كان المواطنين أولى بها وبغض النظر عن استحواذها على الشواطئ العامة بحيث أصبحت البحرين دون شواطئ عامة وهي التي تتكون من أكثر من 30 جزيرة فإن آثارها الاجتماعية لا تقل تدميرا عن كل ما سبق.
علماء الاجتماع ينظرون إلى المجتمعات المسيجة على أنها ظاهرة مقلقة جدا فهي لا تعزز روح الجماعة لدى المواطنين، فوضع البوابات والأسوار على المدن الجديدة، مع الحراسة الخاصة للمداخل تؤدي إلى منع الوصول والتواصل وتؤدي إلى تفكيك المجتمع طبقيا ومناطقيا.
المدن المسيجة تختلف عن العمارات السكنية ذات الحراس أو البوابين، فهذا لا يعتبر ضمن هذه الظاهرة؛ ذلك لأن المجتمعات المسيجة هي تلك التي تستبعد عامة الناس من الوصول إلى الأماكن العامة مثل الأرصفة والشوارع؛ ما يمثل تراجعا عن المجال العام، وهو اتجاه مقلق للاجتماعيين الذين ينظرون إلى مفهوم المواطنة على أساس جغرافي ونفسي وثقافي.
ويرى المختصون أن المجتمعات المسيجة تطرح الانفصال المادي بين الناس كمنهج للحياة والرفاه، ويختفي بذلك معنى الجوار بالمفهوم المتعارف عليه تقليديا، وهذا الاستبعاد يفرض تكاليف اجتماعية ويقلل من عدد الأماكن التي يمكن أن يساهم ويتشارك فيها الجميع، وبالتالي تقل الاتصالات بين الناس من مختلف الفئات، هذه الاتصالات التي لولاها لما تكوّن مجتمع مترابط ضمن وطن واحد في الأساس.
ثم إن المجتمعات المسيجة، تزيد الانقسامات بين المدن والقرى والضواحي، وتخلق مناطق للأغنياء وأخرى مهملة للفقراء، وتخلق أنماطا جديدة من العزلة والتهميش وتضع خطوطا فاصلة على أساس الثروة، وتتكون مجتمعات «تملك» وأخرى «لا تملك»، وهو نمط من التفتت الاجتماعي الذي يمس الإحساس بالمواطنة.
خلال السنوات القليلة المقبلة سيوجد في البحرين العديد من المدن المسيجة بالكامل والتي لن يستطيع المواطن العادي النظر إليها ناهيك عن الدخول فيها والاستفادة من الخدمات التي تقدمها إلا إذا كان من أصحاب الثروات.
صحيفة الوسط
8 فبراير 2010