في فرنسا وإيطاليا، وهما دولتان تنتميان إلى أكبر سبعة اقتصادات في العالم، تغلب السيارات الصغيرة الحجم على ما عداها من السيارات التي تزدحم بها شوارع البلدين. وهذا ينطبق على إسبانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى المتقدمة اقتصادياً. في الولايات المتحدة الصورة معكوسة تماماً، إذ من النادر أن يرى المتجول في مدن ولاياتها سيارات صغيرة كتلك الموجودة في أوروبا. فالثقافة الاستهلاكية الأمريكية التي أنشأتها وشكلتها الرأسمالية الأمريكية تنحو نحو الشراهة وبالتالي الضخامة، وهذا ينطبق على السيارات مثلما ينطبق على المأكولات والعمارات والطرقات. ويِنبئنا التاريخ الاقتصادي الأمريكي أن كبر حجم السيارة الأمريكية قد أملته ظروف وملابسات اتفاق سري جرى بين شركات إنتاج السيارات وخصوصاً جنرال موتورز وشركات النفط الأمريكية الكبرى والذي تضمن تضخيم حجم محرك السيارة لاستهلاك كمية أكبر من البنزين. الوضع الآن تغير على مستوى العالم كله، بما يقتضي من كافة الدول العمل على تكييف نفسها مع هذا الوضع الجديد عبر اتباع سياسات مغايرة تماماً لما كان متبعاً حتى وقت قريب وذلك في ضوء الصعود الكبير والحضور الطاغي لما يمكن أن نسميه باقتصاد المناخ أو الاقتصاد الأخضر أو الاقتصاد الصديق للبيئة، في الحياة الدولية، الاقتصادية والسياسية والثقافية. ولذلك فان أكبر دولة في العالم شراهة استهلاكية بل صاحبة ريادتها.. الولايات المتحدة، على موعد مع استحقاق حتمي لتغيير ثقافتها (السيارة الكبيرة الفارهة وسندويتش البيرغر السوبر والمشروب الغازي الكبير الحجم، ووعاء تسالي الفشار وغيرها)، وتحديداً فيما يخص السيارة. فإضافةً إلى تزايد ضغط لوبي الاقتصاد الأخضر هنالك الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت يناير من العام الماضي بشركات صناعة السيارات في ديترويت وخصوصاً منها الشركتين العملاقتين فورد وجنرال موتورز اللتين أوشكتا على الإفلاس العام الماضي لولا تلقيهما إسعافات مالية عاجلة من الحكومة الأمريكية. وعادت الشركتان للسوق بمبيعات جيدة إنما بنماذج سيارات صغيرة غير معهودة للأمريكيين الذين كانوا يعتبرون السيارات الصغيرة بأنها سيارة الفقراء، وذلك تحت ضغط عدة عوامل أبرزها القواعد الصارمة المتصلة بالاقتصاد في الوقود وخفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن منتصف العام الماضي أن معايير اقتصادية تتعلق باستهلاك الشركات للوقود ستصبح نافذة اعتباراً من عام 2016 عوضاً عن .2020 وبدلاً من اعتراض كبريات الشركات الأمريكية (جنرال موتورز، فورد، وكرايزلر) كما هو معتاد فإنها اضطرت هذه المرة للموافقة على الضوابط الجديدة لقطاع النقل ثمناً لعمليات الإنقاذ المالي التي خصتها بها إدارة أوباما العام الماضي، خصوصاً في ظل المستويات المرتفعة التي بلغتها أسعار النفط وجعلت نموذج السيارات الذي ظل سائداً لحوالي ثمانية عقود، شيئاً من الماضي عملياً. وسيتعين على الأمريكيين تقبل شراء السيارات الصغيرة التي تنتجها شركات السيارات الأمريكية والتي ظلت حتى وقت قريب مخصصة للتصدير فقط إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية. ولعل هذا ما يفسر إدراك جنرال موتورز بأن بيع ذراعها الأوروبية أوبل / فوكسهول Opel/Vauxhall كان سيعد، لو كانت نفذته الشركة، خطأً قاتلاً، واحتفاظ فيات بكرايزلر بعد أن كانت فكرت في التخلص منها. وقريباً ستعم السيارات الصغيرة خصوصاً لشركة فورد، الشوارع الأمريكية لتنافس منتجي السيارات الصغيرة في اليابان وأوروبا. ولأن أسعار هذه السيارات أخفض من أسعار السيارات الأمريكية الفارهة، فإن شركات السيارات الأمريكية التي لا تعتزم على ما يبـدو تخفيض أسعار سياراتها الجديدة بما يتناسـب وأحجامها الصـغيرة، تخشى أن لا يُقبل عليها الجمهور الأمريكي (إلا في حال خُفضت أسعارها) ما يضع جدوى الاستمرار في إنتاجها على المحك.
صحيفة الوطن
7 فبراير 2010