مشكلة حينما لا تسمى الأشياء بأسمائها الحقيقية، ومؤسف أن نغرق ونسترسل في الأمور الصغيرة، ومؤلم أن يجري هذا اللغط الكبير حول ملفات بعينها أثيرت ولاتزال تثار حولها علامات استفهام لا حصر لها فيما نحن نصر على ممارسة سياسة النعامة، مكتفين بالصمت المريب، أو خلط الأوراق، أو تكرار القول الذي يثير المرارات المترسبة في الأعـــــــماق، بما في ذلك الكلام عن المصلحة العامة التي لم يسبق لعبارة مثلها أن استعملت وانتشرت واستغلت ولحنت وحرفت استجابة لأهداف مشروعة تارة، ولأهداف تتعارض أصلاً مع المصلحة العامة تارة أخرى.
وعليه نتساءل بدافع المصلحة العامة الحقة .. هل يعقل أمام كل هذا اللغط الذي جرى ولازال يجري حول ملفات مؤرقة يستشعر المرء بغصة حين يمعن في تفاصيلها وفي أبعادها .. ملفات من الخطأ الفادح ألا نسرع في إجراء مراجعات ومعالجات رصينة وأمينة لها، وفي المقدمة يأتي ملف دفان الأراضي وردم البحر واغتيال البيئة البحرية وتحول أكثر من 90% من شواطئ البحرين الى أملاك خاصة، نتساءل .. هل يعقل أمام كل هذا اللغط والصخب وهو في أقصى حدته وغليانه أن نبقى نمارس سياسة النعامة، لتكون الأمور مطوية في المجهول، أو في أحسن الأحوال نقرأ أو نسمع شروحاً مرتبكة أو تعليقات مواربة غير مقنعة أن عبرت عن شيء فإنما تعبر بالدرجة الأولى عن خلل عميق يعتري واقعنا.
واذا كنا لا نعلم حقيقة ما اذا كانت النقاشات التي جرت في مجلس النواب حول تقرير لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة العامة والخاصة والنتائج التي خلص إليها هذا التقرير، وهي نتائج لخطورتها تفتح المجال لجميع الخيارات كما قال التقرير لاستخدام الأدوات البرلمانية، ومنها الاستجواب، وإحالة التجاوزات الى النيابة العامة، لا نعلم حقيقة مدى الجدية في المضي في هذا الاتجاه، وما اذا كانت أي خطوة متقدمة في هذا الطرح أن حدثت ستؤدي الى نتيجة والى شيء من العبرة لمن اعتبر!!
ولا نعلم حقيقة ما اذا كان أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية الذين نشكر لهم جهدهم الطيب في اعداد التقرير، سيوفقون في سعيهم أو في دعوتهم الى استرجاع 50 كيلو متراً من أراضٍ وعقارات للدولة قالوا بأنه قد شابها الفساد وحولت بقدرة قادر الى أملاك ومشروعات خاصة دون سند قانوني.
ولا نعلم ما اذا كانت الأرقام التي خلص إليها التقرير النهائي للجنة والتي نشرت مؤخراً والتي تفيد بأن المساحات البحرية والسواحل التي ردمت منذ عام 2002 حتى الآن قد وصلت الى أكثر من 23 كيلو متراً مربعا وأن 85% الى 90% من تراخيص الدفان طوال هذه الفترة هي لأفراد ومؤسسات خاصة، وأن كمية الرمال المسحوبة أكثر من 170 مليون مكعب تقدر قيمتها بـ 290 مليون دينار على فرض أن حساب المتر المكعب بــ 1.700 دينار لم تدخل خزينة الدولة منها شيء، ناهيك عن الأرقام الفلكية الأخرى حول قيمة الأراضي المغمورة، لا نعلم ما اذا كانت هذه الأرقام تعني شيئاً في أصلها ومنتهاها خاصة لدى من يفترض أنهم معنيون بالهم العام.
ولا نعلم ما اذا كان المعنيون بالشأن البيئي قد ادركوا حجم الآثار السلبية على البحر والبيئة البحرية التي تتسبب فيها عمليات الجرف والدفان وانخفاض التنوع السمكي من 400 نوع الى أقل من 50 نوعاً فقط، قادرين على أن يأخذوا هذه القضية البيئية على محمل الجد وأن يفعلوا شيئاً يوقف هذا الدمار البيئي.
كما أننا لا نعلم ما هي مصلحة بعض الوزارات والجهات الرسمية في إعاقة عمل لجنة التحقيق البرلمانية، ولا نعلم إلى أي مدى هذه الإعاقة والى متى؟ ولماذا الحيلولة دون تفعيل المراقبة وتنشيط المساءلة؟
ملاحظة في الصميم : المادة 69 من الدستور تلزم الوزراء وجميع موظفي الدولة تقديم الشهادات والبيانات التي تطلب منهم لجان التحقيق البرلمانية، وإعاقة عمل لجنة التحقيق لا نجد حياله مفراً من الاقتناع بأن في الأمر كلاماً كثيراً لم تقله اللجنة .
ولكن ما نعلمه جيداً بأن هذا الملف هو أحد أهم وأخطر الملفات وأكثرها حساسية وأكثرها تغييباً ولو للحد الأدنى من الشفافية، كما غاب عنه أي رؤية للتخطيط أو تصور بحق الأجيال القادمة، رغم أن التساؤلات حول مستقبل هذه الأجيال تتوارد من كل حدب وصوب.
ما يحدث مقلق جداً .. ، ونخشى ألا يؤدي كل ما أثير ولازال يثار في شأن هذا الملف الى نتيجة، وأكثر ما نخشاه أن نكون قد فقدنا إحساسنا بالخطأ.
صحيفة الايام
6 فبراير 2010