تدور هذه المقدمة وما يليها كذلك من موضوعات حول الزعيم الإصلاحي الإيراني مير حسين موسوي، الذي هو في قلب عاصفة ثورية، ومع زوجتهِ الشجاعة: زهراء راهنوارد، وعن بقيةِ زعماء الإصلاح الديني السياسي الإيراني، ولا يخفي حسين موسوي ميوله التي يسميها (اشتراكية)، وعلينا قراءة هذه الاشتراكية المُتلبسة، في وعيه، وفي التجربة العامة الإيرانية كذلك، فهو من مؤسسي القطاع العام الإيراني، أساس الشمولية السياسية الراهنة، وهو القطاعُ الذي يقف ضد السوق الحرة، أساس التعددية والديمقراطية الرأسمالية.
قامت اجتهادات مير موسوي على توسيع القطاع العام الشمولي هذا وكان لابد أن يصطدم بقوى الليبرالية الغائرة في هذا النظام التي مثلها الشيخ رفسنجاني!
(وقد عُرف عن موسوي منذ توليه رئاسة الحكومة أنه اشتراكي النزعة، حيث قام بالعديد من الخطوات التي تشير إلى هذا الأمر، وفي محاولاته تعميق هذا الاتجاه طالب بسلطات أوسع لرئيس الوزراء من خلال طرح نفسه وحكومته للثقة في مجلس الشورى الإسلامي أول مرةٍ في تاريخهِ ليحصل على شرعية ذاتية، باعتبارها جهازاً مستقلاً، يكون لرئيسه مقعد خاص على طاولة إصدار القرار، بعد أن كان رئيس الوزراء ممثلاً لرئيس الجمهورية في إدارة الحكومة. وقد اختار موسوي وزراءه ممن يمثلون اتجاهه الاشتراكي، لكنه كان يصطدم أحيانًا مع مجلس الشورى الإسلامي برئاسة هاشمي رفسنجاني).
إنها شمولية سياسية اقتصادية دينية دعمها موسوي، وهي سياسة بدأها الخميني لجعل دعم العاملين والفقراء أساس نظام الجمهورية، لكن التوجه الحكومي الاقتصادي وتكوين القطاع العام المهيمن فوق القطاع الخاص، لم يكن له رديف اقتصادي زراعي، وهو أمرٌ لم تعارضهُ القوى التقليدية الدينية القوية اقتصادياً في الريف الضعيفة في المدن، وبهذا فإن موسوي كان يقوي هذه القوى الدينية المحافظة، فينقلُ سيطرتَها الاقتصادية من الريف إلى المدن، وهو هنا يرفعُ شعارات مساعدة الفقراء وغيرها، لكنه عملياً يقوي سيطرة الإقطاع الزراعي خاصة انه كان ضعيفاً ومتوارياً في شعاراته الفكرية الليبرالية والديمقراطية.
فقامت الرأسماليةُ الحكوميةُ عبر سيطرة الإقطاع الديني بابتلاعه، وبمساعدةِ القوة الليبرالية المتوارية في السلطة والمتجسدة لدى رئيس مجلس الشورى وقتذاك الشيخ رفسنجاني!
لا شك ان رفسنجاني أحس بأن اتجاه موسوي (الاشتراكي) يقوضُ اتجاهَهُ الرأسمالي الليبرالي الغائر في النظام.
إن التصادمَ بين القوى الديمقراطية الإيرانية داخل السلطة الشمولية يعبرُ عن مواقف اجتماعية متناقضة، فالبرجوازي الصغير موسوي، المثقف التحديثي الديني، الذي وجدَ نفسَهُ على رأس المؤسساتِ الاقتصادية الإيرانية الكبيرة، تصور انه ينشئ تجربة عدالة اجتماعية كبيرة عبر دعم هذه المؤسسات التي تساعد العمال والفقراء، وهو تصور ليس خاطئاً كلياً، ولكن ما هو خاطئ هو تصوره بأن هذه المؤسسات العامة اشتراكية، وهي في نظامٍ ديني شمولي، سوف تكون ليست لمصلحةِ العمال والكادحين كما يتصور وعلى طول الخط، بل ستكونُ في خدمة البيروقراطية السياسية العسكرية الحاكمة بشكل أساسي وللفئة المهيمنة التي تسودُ في حقبةٍ معينة خاصة.
ويمكن لهذه البيروقراطية أن تعطي العاملين بعضَ المكاسب بشكلٍ مؤقت، على أساسِ زيادةِ أجر أو توظيف، لكن الملكية لن تكون لهم، ويمكنها أن توجه القطاع العام حسبما تريد.
في حين أن رفسنجاني كان يعمل لتقليص هذه الرأسمالية الحكومية المتفاقمة وهو كربِ عملٍ وذي رؤية ليبرالية دينية، يحبذُ أن تنمو العلاقات الرأسمالية الخاصة بتوسع!
ومن هنا كان الاصطدام بين ممثلي النزعات الديمقراطية داخل النظام الديني الشمولي، كل من موقعه، فرئيس الوزراء موسوي يريد نشر العدالة عن طريق القطاع العام، لنشر التقدم والمساواة ورئيس مجلس الشورى يريد توسيع القطاع الخاص لتقليص الدكتاتورية!
رجلان مؤثران في الثورة الخضراء القادمة لاحقاً وجدا نفسيهما في تناقضٍ حاد، وعمل رفسنجاني على زعزعة موقع رئيس الوزراء موسوي، وراحت تتقلصُ مكانتهما كلاهما بسبب هذا الصراع فلا القطاع العام أدى إلى الاشتراكية ولا القطاع الخاص استطاع أن ينمو بسبب اشتداد قبضة الدولة!
هذه هي المرحلة الأولى من بذور الثورة الخضراء القادمة لاحقاً، فموسوي الذي سوف يقودها هو نفسه من وضع الأساس الشمولي الاقتصادي للنظام، وهو نفسه يعيشُ في ضبابيةِ المفرداتِ الدينية عن الثورة المذهبية والانسجام الكلي للمؤمنين بها، ووحدة الفقراء والأغنياء، وما إلى ذلك من خيال أيديولوجي، ويعزز من الإدارة البيروقراطية الاقتصادية السياسية، ولم يتعاون مع رفسنجاني في تعزيز القطاع الخاص ونشر الليبرالية الاقتصادية، والأخير قبع في المؤسسات السياسية التي تحولُ الملكيةَ العامة إلى سيطرة كلية على المجتمع!
صحيفة اخبار الخليج
1 فبراير 2010