تابعت من خلال البث الإذاعي المباشر لجلسة مجلس النواب نقاشات تقرير لجنة التحقيق البرلمانية في عمليات الدفان، التي شكلت العام الماضي على خلفية الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية حول ما يكثر الحديث حوله من عمليات دفان لمساحات بحرية شاسعة وسواحل وأملاك عامة توهب لجهات وأفراد بغرض بناء مشاريعهم الخاصة عليها، دون أن تستفيد خزينة الدولة مليما واحدا من كل ذلك، فيما تدمر بسببها مساحات شاسعة من بحرنا الذي عرف عنه تنوعه وغزارة إنتاجيته، فلم يعد حال بحرنا الجميل كما كان منذ سنوات قليلة، فقد دمرت مشاريع الدفان والتجريف والصيد الجائر والتلوث وغيرها أهم مصائد الأسماك لدينا ويكفينا القول أن المعلومات الواردة في تقرير اللجنة تفيد على سبيل المثال لا الحصر انه لم يتبقى لدينا سوى 3 هيرات بحرية للأسماك فقط من أصل أكثر من 14 هيرة ومستوطنة بحرية، ويعزو التقرير ذلك لسبب نتائج ترسيم الحدود البحرية مع الشقيقة قطر بعد صدور قرارات التحكيم في قضية جزر حوار، بالإضافة إلى أن عمليات الدفان والتدمير للبيئات البحرية الغنية طيلة السنوات الماضية قد نتج عنها تناقص مخيف في حجم الثروة السمكية لتصبح البحرين مستوردا لما يربو على 60% من حجم استهلاكها من الأسماك والمنتجات البحرية الأخرى من دول الجوار بشكل أساسي، بعد أن كانت قبل سنوات قليلة فقط مصدِرا لأفضل أنواعه إلى تلك الدول، وفي هذا الصدد أشار تقرير اللجنة إلى أن بيئتنا البحرية كانت تجود في السابق بأكثر من 400 نوعا من الأسماك لتصل حاليا إلى 50 نوعا منها فقط.
كذلك أكد التقرير على أمور عدة، ربما يعرفها كل أبناء البحرين منذ فترة ليست بالقصيرة، مفادها أن ما نسبته 90% من عمليات الدفان البحري تتم لصالح مشاريع استثمارية خاصة لا يستفيد منها الوطن بل أصحابها من المتنفذين ومعهم بعض الجهات الاستثمارية الخارجية، على أن اخطر ما في الأمر هو إقرار مجلس النواب عن عدم وجود جهة معينة يمكن مساءلتها حول نتائج التقرير، ليصبح مألوفا معه تقاذف الجهات الرسمية لكرة المسئولية دون أية حلول يمكن أن تعيد لنا بحرنا الأزرق الضائع في جيوب وأرصدة خاصة. ففي حين تفيد دراسات مركز البحرين للدراسات والبحوث إلى استكمال دفان أكثر من 34 كيلومترا مربعا من مياهنا البحرية توصل فريق التحقيق في اللجنة إلى أن المساحة المدفونة لا تتعدى 23 مترا مربعا، وقد قللت مداخلات بعض النواب من صحة تلك الأرقام مقارنة بما يجري على الأرض من عمليات دفان لا تتوقف على مدار الساعة.
بالنسبة لكل البحرينيين، بلغت انعكاسات عمليات الدفان وتجريف الرمال والبيئة البحرية مستوى غير مسبوق، ويجمعون على أنها قد وصلت فعليا إلى لقمة عيشهم، وهم الذين اعتادوا مثلهم مثل بقية أهل الجزر في هذا الكون الواسع على الأسماك كمصدر رئيس لغذائهم، رغم أنهم في المحصلة سكان أرخبيل يحتوى على أكثر من 33 جزيرة.
نعرف جيدا أن قضية بحجم وتعقيدات وتداخلات قضية الدفان والتجريف البحري ربما تحتاج إلى أكثر مما وضعه تقرير لجنة التحقيق من توصيات، وفي بلد مثل البحرين ربما يتطلب الأمر قرارات تنفيذية ملزمة على أعلى مستوى، تأخذ في الحسبان أهمية ثرواتنا الوطنية وعلى رأسها ثرواتنا البحرية المهددة بشكل جدي جراء جشع وسطوة رأس المال والتي عجز أكثر من أربعين تشريعا عن حمايتها حتى الآن.
لكن، أليس من حقنا أن نتساءل باستغراب بعد كل تلك النقاشات والخطب النيابية الحماسية والنقد اللاذع الذي وجه للحكومة خلال مناقشة التقرير، عن مغزى أن يكتفي نواب الشعب بالنظر في عيون بعضهم البعض ولسان حالهم يقول من يعلق الجرس، وهنا لا أخفيكم سرا فقد لمست شخصيا من قبل بعض نوابنا الأفاضل من ينتظر زميله أو كتلة أخرى غير كتلته أن تقوم بدور المساءلة بدلا عنه وكأنه غير معني بأمر المسائلة، رغم أن ذلك حق مكفول لكل النواب والى جميع الكتل دون استثناء، وفي قضية معيشية بامتياز لا يختلف عليها اثنان أين منها علاوة الغلاء؟! للحد الذي استدعت الحماسة المنفلتة من أحد النواب أن يخاطب زملاءه ونحن معهم كشعب قائلا.. لقد جف الضرع والزرع فيا قوم لا مقام لكم بها !! فلماذا إذا عجز المجلس ونوابه عن مجرد الإقدام على مساءلة الحكومة واكتفوا بجلبة يتطاير من حولها الغبار، ليرفعوا تقريرهم بهدوء للحكومة بما حمله من حقائق وأرقام؟!… أمر يدعو للحيرة ويدفع للتململ والقنوط من أداء كهذا حقا!