المنشور

خطاب للعامل الذكي

يمشي الكادح البحريني للنضال من أجل الأجور وتطوير معيشته، ويرفع القوى المذهبية السياسية وغير العمالية لتتصدر نضاله، وتحقق المعيشة الجيدة لها!
إن السياسيين اليمينيين الآن تمكن قسمٌ منهم من الاستيلاء على الدجاجة التي تبيض ذهباً، وسوف يتحولون بعد عقد أو أقل ليكونوا من الأثرياء! لو جئته بعد سنوات وقد ترسمل ماذا ستكون أنت وماذا سيكون هو؟
لقد حازَ ثروةً بشكلٍ قانوني ومن خلالِ سواعدك التي رفعته، وقد أسس شركة، أو شركات مع آخرين وربما مع زملائه في العمل السياسي المقدس، وقد بدل آراءه وغيّرَ تنظيمه وخرجَ من محاسبتك له وصعد الطوابق العليا في غفلة من الزمن ومن خلال بساطة معرفتك.
إنه يعملُ لينضم للأغنياء بل لكبار الأغنياء، هل ستقولُ له كانت لدينا قضية مشتركة، وأرجعْ النقودَ التي كسبتها من نضالنا المشترك؟!
لم يكن نضالاً مشتركاً إلا في مجال الشعار والدعوة العامة! ولستَ مشتركاً في دخلهِ ورصد مشروعاته، هو يعمل من أجلك فيما لا تفهمه، وفيما لا تحاسبه عليه، هل لديك منظماتٌ حزبية تؤممُ هذا الدخلَ؟ هل لديك نقابات لديها جزءٌ معلوم من هذا الدخل؟ أو لديها رقابةٌ على الجماعات السياسية المسيطرة على هذه النقابات؟
إنها كلها في خدمةِ الأغنياء أو في مشروعاتٍ سياسية لتكوين الأغنياء على حساب العمال! هل لديك اعتراض على ذلك؟
هو صار من الأغنياء وبقيت أنت ضمن الفقراء والمشردين والعاطلين! هل تحاسبه الآن بعد أن مرت السنون واعتمد عليك؟
لماذا لم تصبح أنت مثله غنياً؟!
وبعد ذلك تغيرت الأمور، ولم يعد النائب دينياً وعضواً في تجمعك صار تاجراً كبيراً، وقد كسب ثروته بذكائه وبسبب تعاطفك!
لم يعدْ مذهبياً سياسياً صار ليبرالياً مائعاً أو سياسياً يمينياً واضحاً أو بقي في آرائه، لكنه صار تاجراً حراً وتطور مع التقدم و(النضج) العقلي لديه، هل تعارض التقدم؟! سيقول لك ذلك وأنت لاتزال بين تروس الآلات أو في بيتك العتيق لم تطور أدواتك العقلية وعاداتك التقنية وبقيت في موقعك العمالي البسيط نفسه.
كانوا يجمعون بين الثروة من خلال المذاهب والسياسة وصاروا يستفيدون من ثمار عملهم، والمكاسب المادية التي يحصلون عليها أسرع من المكاسب التي يحصل عليها العمال، بسبب انتمائهم للنخب، وجعل المعرفة السياسية وظيفة مفيدة، في حين ان العمال ليس لديهم وقت للسياسة وللدراسة وظلوا منحشرين في واجبات العمل والحصول على لقمة العيش.
أنت كنتَ بسيطاً يوظفك السياسيون في كل مرحلة، فلماذا لم تتعلم وتتثقف لتجعلهم في خدمة العمال وليس في خدمة مصالحهم ومن أجل المصلحة المشتركة بشكل متقارب ومتعاون ويعطي كلا الجانبين الفوائد؟
إن تشكل البرجوازية الجديدة التحديثية – الدينية لا يتم من خارج أوضاع الرأسمالية الحكومية، فهي تعطيهم لارتفاعهم عن القواعد ولتخصصهم في العمل السياسي، فارتفعوا وتملكوا، وبعد ذلك يصعب عليهم العودة لحياة الكادحين وقد ارتفعت أسرهم خاصة في مدارج الثراء، ويصعب عليها العودة للأزقة فيحدث التباعد المستمر ويظهر أناسٌ آخرون يرفعون شعارات ملتهبة أخرى ويسلكون المصير نفسه، ليجعلوا أولادهم في مدارس متميزة ثم يرسلوهم للجامعات ويرحلوا من الأحياء الشعبية. في حين ان ظروف العاملين تبقى كما هي بصعوباتها الكثيرة بل يريد العامل أن يلاحق ارتفاع الأسعار وتآكل الأجور المستمر، وهذا يتطلب نقابات وقيادات عمالية تجمع بين التأثير البرلماني ورفع مستوى الأغلبية العاملة. أي أن تكون لديها حساسية سياسية عالية ومرهفة الحس لشعيرات التحولات.
قياداتٌ نقابية تراقبُ القيادات السياسية التي تنفصلُ عن الناس الذين انتخبوهم، وتؤيد قيادات مستمرة في الدفاع عن رفع مستوى الناس المعيشي والدفاع عن حرياتهم، وترفضُ الانحرافَ عن عدم الدفاع عن حقوق العمال، ومراقبة بيوتهم السيئة وأدويتهم الغالية، وتعليم ابنائهم النظري الفاشل أو العملي الهزيل، وتحميل كل فساد وسوء برامج واستعراضات احتفالية على حساب أجورهم الهزيلة، وتـُخرج من بين العمال قيادات فكرية وثقافية وسياسية، تفتح جداول للمعرفة، وللدروس النقابية – السياسية التي هي بؤرة وعيهم.
هل سوف يستطيع الكادح المراقبة المستمرة وفهم التنظيمات واتجاهات المثقفين والسياسيين إذا لم يجد التنظيمات والجماعات التي تشرح له ذلك ويتطور هو كذلك في أثناء دروس المدرسة الوطنية العامة التي هي أكبر مدرسة؟
بعد عشر أو عشرين سنة تتغير الأحوال ومن كان معارضاً يصير موالياً، والتطرف الذي كان يتحولُ لشيءٍ آخر، وكانت السياسة ميداناً للنضال وإنتاج القادة والشهداء، كما كانت طريقاً للانتهازيين والمرتفعين على أكتاف الجمهور.
وسوف يقول لك المناضل السابق لقد صرتُ من كبار الأغنياء بعرقي، ولم تسمح لنا الظروف بتغيير الأوضاع كلها وتغيير الأوضاع تماماً، وللأسف لاتزال أوضاعكم كما هي. وربما صار لا يتابع ولا يدري انه تم إلقاؤكم في دور العجزة فلا تحصلون على تأميناتِ شيخوخةٍ جيدة وصرتم في مستشفيات الجنون، وفي الأمراض النفسية الخطرة الأخرى، وفي مراكز التسول التي تطردكم بين حين وآخر حسب مستوى الميزانية الحكومية، يقول: لقد حاولنا بكل ما نستطيع، ولكن كانت الظروف أقوى والخيانات كثيرة والأقدار غير مؤاتية!
هو تغير وضعه بينما يوجد أولادك في السوق يبيعون البضائع الرخيصة، أو مطاردين من قبل العصابات والمجنسين، أو ربما يكونون نزلاء في دور الإعاقة أو من أصحاب السوابق.
لا بد من تطوير القوى العمالية الانتقادية الديمقراطية خاصة في ميدان دراسة العمل وفهم الرأسمالية وهي معرفة علمية تحتاج إلى قراءات معمقة، وتكوين مدارس وفصول لذلك، ولابد من قراءة الأدب الاشتراكي كالروايات النضالية التي ثقفت ملايين القراء وانتشلتهم من الفهم المبتذل للحياة، ولا بد من قراءة الكتب الفكرية والعلمية التي غيرت العالم.
السياسة الانفعالية السطحية لا تجدي نفعاً، وكل طبقة تحك جلدها بأظافرها.

صحيفة اخبار الخليج
27 يناير 2010