المنشور

في حجم راحة اليد

نوع جديد من الأسئلة أو الاستفسارات دخل إلى معاملاتنا اليومية عن طريق الهاتف المحمول من نوع: أين أنت؟ لماذا لم ترد؟ ماذا تفعل؟ وهي أسئلة، وإن كانت موجودة في السابق، قبل أن يكون المحمول موجوداً، إلا أنها أخذت بعده مدى واسعاً صار يهدد الخصوصية الشخصية لكل إنسان. هذا بعض ما تذهب إليه دراسة أعدتها باحثة مصرية اسمها منى سليمان تبحث في آثار الهاتف المحمول في عادات وتصرفات المصريين.
لكن قبل أن نستعرض بعض ما تذهب إليه الدراسة لنقرأ هذا النص: “تركت صورتي على الأرض حيث تمشي، فربما يأتي يوم شمسه ساطعة، ولا تسقط أمطار تجرفني في طريقها، يوماً ما قد تظهر فيه عند المنحنى وتلتقطني”.
وهو نص قصيدة فازت بالمركز الأول في مسابقة للقصائد عبر الهاتف المحمول أجريت في بريطانيا، وقد أوردها الأستاذ إيهاب الحضري في “أخبار الأدب” وهو يتحدث عن استخدامات أخرى ممكنة لهذا الهاتف ليست معهودة عندنا، حيث ينحصر استخدامنا للمحمول في تلقي المكالمات أو إرسال واستلام الرسائل الهاتفية.
إضافة بالطبع إلى الجانب المظهري في الأمر الذي يتفشى في المجتمعات الاستهلاكية، التي تشكل مجتمعات الخليج حالة متطرفة لها، ويجد تجليه في الولع المَرضي بالاقتناء المستمر، المتكرر، للموديلات الجديدة من الهواتف المحمولة، فكلما نزل إلى السوق جيل جديد من هذه الموديلات، لا يكاد يختلف كثيراً عن سابقه تسابق المتسابقون على اقتنائه.
واضعة الدراسة اشتقت مصطلحاً جديداً، أو لعلها أعادت استخدامه، هو “الأمومة عن بعد”، وهو يعني أن الأم، عبر الهاتف المحمول، تتابع أطفالها حين تكون في عملها أو مشاغلها خارج بيتها بعيدة عنهم، مما يخلق لدى الأم إحساساً بالأمان أن أمور الأولاد على ما يرام، ولدى الأطفال شعور بالحنان لأن الأم البعيدة ليست بعيدة.
لكن من استعرض الدراسة يشكك في جدية هذا الاستنتاج متسائلاً: هل يعتبر هذا المصطلح (الأمومة عن بعد) إضافة اجتماعية ترسخ الروابط الأسرية أم حيلة ترويجية لتسويق المزيد من الأجهزة والخطوط وساعات الاتصال؟
بدت لي فكرة وضع دراسة عن أثر الهاتف المحمول (أو النقال) في مجتمع كبير مثل المجتمع المصري أكثر من مجرد فكرة طريفة، يمكن تعميمها على أكثر من مجتمع، بما فيها مجتمعنا البحريني.
إنها في الواقع فكرة عميقة تدرس كيف يمكن لهذا الجهاز الصغير الذي يقل حجماً عن حجم راحة اليد أن يغير عادات وثقافات وأنماطاً وسلوكاً، ويخلق شخصية أخرى للإنسان تتشكل أمامنا من دون أن نلحظها.
 
صحيفة الايام
26 يناير 2010