قرأت دفعة واحدة موضوعين عن دوحة عراد الأول للأخت عصمت الموسوي ’ والثاني للأخ إبراهيم علي ’ والمنشورين معا في صفحة قضايا بجريدة الأيام . أفرحتني كثيرا مقالة الأخت عصمت ’ التي جعلتني اشعر وأنا البعيد ’ بنسمة جميلة ومشهد أروع يظلل غاباتنا المحترقة ’ بلدي البحري المقنن ’ وصحراءنا المهجورة للثعابين ’ بلد يطل عليك بالانترنيت ’ فتتذكر انك تتنسم عشقه ’ وتلامس روحه كلما صار الوطن واحتنا جميعا ’ وفي كل بقعة من مدنه وقراه ’ فالناس بات لها حق العيش الكريم وانتزاع لحظة الفرح في مضمار أو كورنيش أو حديقة ’ هكذا اشعر حقيقة التطور المحسوس في الوطن ’ غير إن الفرح الذي جعلتني عصمت أعيشه عكر صفوه لي الأخ إبراهيم علي – دون قصد بالطبع – عندما أشار إلى دخول حفنة من الناس ’’ حفنة ’’ تجد نفسها تنتمي لمحاكم التفتيش وهيئات الأمر بالمعروف وأقنعة طالبان والقاعدة ’ وكل ما انزل الله من سلطان على رقابنا المكبلة بصنوف الهوان والحرمان ’ بما فيه حق الناس الاستماع إلى الموسيقى . وبما إن الموسيقى مدارس كثيرة من الجاز إلى البوب إلى اللاتيني إلى الطرب الفلكلوري وفنونه إلى الموسيقى الراب والاراندبي والهيب هوب والكلاسيك وكل أنواع الحداثة الموسيقية المعاصرة ’ غير إن هؤلاء لم يهتموا بتلك الأنواع ’ وإنما انصب العداء على الموسيقى برمتها طالما في عرفهم وروحهم ونهجهم أنها ’’ حرام ’’ وبذلك يصبح الحلال والحرام مقولتين ثابتتين في ثقافة الجماعة المتزمتة والمتشددة ’ والتي ترى أنها تمتلك الوطن ومن حقها إدارته واختطافه . لا أجرؤ كمواطن حر وواع لمسؤولياتي وحقوقي الوطنية الدخول على أي كان وفي مكان عام – والعام ملك الجميع مهما اختلفت أمزجتهم وثقافاتهم وتوجهاتهم – فانه لا احد له حق التصرف فرديا بطريقة عنجهية واستبدادية لكي يفرض منطقه هو على خلق الله ’ وكأنما البحرين الوطن والمجتمع هو ملكية خاصة لتلك المجموعة’ التي ترغب استعادة سطوتها القديمة على البلاد ’ بل ولشعورها إن المحرق – التليدة – بناسها وتاريخها بدأت تتمرد وتنسل من شبكة العنكبوت بهدوء وتستعيد روحها الشعبية القديمة وسليقتها البسيطة وتسامحها التقليدي والفطري في مجتمع كان يجمع ما بين التعليم المبكر وثقافة البحر والفنون ’ فأنتجت المدينة ذلك الخليط المرن والمبدع مثلما أنتجت طيفا ونسيجا اجتماعيا جميلا . يسعى الخاسرون بالتدريج مع الأيام ’ حلبتهم المنهارة ’ لهذا لم يجدوا إلا الدخول على شخص من إدارة منتزه دوحة عراد لكي ’’ ينهروه ويزجروه بعيون غليظة ’ وربما تهديد مبطن بالويل والثبور وعظائم الأمور ’ وبعضها أمور مؤجلة ليوم القيامة وبعضها ارضيا إن لم يثب إلى رشده ويسلك الطريق القويم ’ في إيقاف بث الموسيقى في المنتزه .
ترى هل نحتاج أن نكرر ما كتبه الأخ إبراهيم من حقائق لتلك السطوة والعنجهية واللامبالاة بالقانون والحريات ’ أم إن مدينة المحرق دولة في عهدتهم ’ وارض وقف عليهم ’ يلبسونها ثوبهم وملامحهم ويسكنون في جنانها من يرغبون ويطردون من لا يتفق معهم . وبما إن الموسيقى (حرام) عندهم فان الفضاء الخارجي المشبع بتلك الموسيقى بات التنفس من هوائه محّرما ’ بل وفي كل المحيط الواسع الذي تنتشر فيروساته الموسيقية ’ صار عليهم ملاحقتها بوسائلهم ’’ النووية ‘‘.
عجيب أمر هؤلاء والأعجب أمر الصامتين من الجهات المعنية إذ بصمتهم ذاك يشجعونهم بل ويدفعون الآخرين المهضومة لردات فعل’ مما يجعل المجتمع السلمي معرضا للانفلات بسبب تلك التصرفات التي اقل ما يمكن وصفها بأنها تصرفات حمقاء ’ قد تسبب لنا وللحكومة ولعراد والمحرق الدوخة ’ دوخة كنا نتمنى من دوحة عراد لا تعيشها وهي في مهدها وبداية فرحتها ’ فأهل المحرق ابسط شيء يحتاجونه هو الفرح المجاني بعد خروجهم من جدران بيوتهم ’ لكي ينّفسوا عن هموم ارتفاع الأسعار وأزمة السكن والبيوت الآيلة للسقوط وكذب النواب ومرارة العيش كلها ’ ثم يأتي الإخوة ’’ القمعيون ’’ ليضيفوا جحيمهم الجديد الأرضي على الناس في عقر دارهم وفي منتزه دوحة عراد .
هل يتفرج المجتمع المدني على الانتقاص التدريجي من حرياته ؟! والتي تبدأ بإيقاع صغير ومعارك غير مرئية وينتهي المطاف بأعمق واكبر الأشياء . علينا نحن بالدرجة الأولى دعاة بناء المتاريس وحرب المواقع – بدلاليتها السياسية المدنية – بحاجة أن نلتفت اليوم إلى حرب مواقع خطيرة معلنة وغير معلنة ضد الحريات والتنوير ’ قادمة من نهج المتشدد المتمترس في مواقعه الدائمة ’ وعلينا أن نزيل تلك المواقع . للحرب وجوه عدة وأدوات مختلفة ’ المهم أن ينتصر الإنسان من اجل الحرية ودولة القانون.
أخيرا اتركوا يا ذوي الألباب الموسيقى للناس لكي تتشذب روحهم فأخونا موزارت ’ قبل قرون لم يكن يدرك بان هناك تشددات ستولد في القرن الواحد والعشرين ’ وهو الذي كان يحلم بان القرون القادمة ستكون عصرا للموسيقى والثقافة . هناك أصوات تنادي في الغرب بإدخال الموسيقى في المقابر لإضفاء روح تأملية بعيدا عن الكآبة . هكذا ينظر للموسيقى كعلاج قبل أن تكون راحة للنفس ومدخلا للفرح ’ بعد أن أدخلتها المؤسسات والإدارات الحية في المستشفيات والسجون والمدارس ’ ودور العبادة ’ وكل أشكال المواصلات ’ بل وصارت في بعض الأمكنة علاجا نفسيا وسلوكيا للإنسان. الموسيقى صارت درسا لترويض البهائم بعد أن كانت حكرا على بني الإنسان ’ والذي عرفها في حفلة زواجه وعمله وأوقات فراغه ’ رافقته الموسيقى في ملاعب الكرة والشواطئ والمطاعم والأندية ’ فهل نحرم منتزه دوحة عراد من ’’ نعمة الموسيقى ؟ ’’ تلك الألحان التي انتزع الإنسان جمالها أولا من الطبيعة ثم بدأ يضيف لها من روحه ووجدانه. رتلوا وانشدوا وغنوا وابتهلوا ’ فتلك صلوات خرجت منذ القدم من صوت الطوفان والمعابد فذلك هو أعظم لحن في الكون ’ فأعطني الناي وغني فالغناء سر الوجود.
أما لماذا نغني مع أنفسنا أو مع الآخرين ؟ فذلك سؤال بسيط عميق ستكتشفه دوحة عراد بعد أن تتخلص من ’’ دوختها الجديدة ’’.
صحيفة الايام
26 يناير 2010