تسعى الدولة عبر مؤسساتها وهيئاتها ووزاراتها لمعالجة البطالة والتخفيف من حدتها وتناميها إلا أن علاج مشكلة البطالة والتي تتوالد وتتسع عاماً بعد عام لا يمكن أن يتم بشكل سطحي وترقيعي أو بحلول مؤقتة تـُعطي انفراجاً موسمياً أو وقتياً حتى تعود إلى محورها من جديد، ولسنا هنا بصدد الطعن في الجهود الرسمية المبذولة لعلاج البطالة سواء منها ما تبذله وزارة العمل أو هيئة تنظيم سوق العمل ورديفها صندوق العمل الذي يسعى ببرامج تدريبية لتأهيل كوادر وطنية للولوج في سوق العمل بكفاءة عجزت عن توفيرها وخلقها مخارج التعليم مما يعني إعادة إنفاق! .
وحسبما أُعلن رسمياً قد رُصد مبلغ 24 مليون دينار لتدريب وتأهيل خريجي الجامعات العاطلين عن العمل حتى يتسنى توظيفهم خصوصاً خريجي “العلوم الإنسانية والاجتماعية” ، علماً بأن هناك فرصاً لتوظيفهم في حقل التعليم موزعين على 102 مدرسة حكومية، ولاشك أنها مسألة غير مهضومة أن تمتد البطالة لخريجي الجامعات والمؤهلات العلمية وبالتالي يُعاد من جديد تأهيلهم وتدريبهم بملايين الدنانير حتى تتوافق إمكانياتهم وقدراتهم مع حاجة سوق العمل.
إنها ظاهرة تدل على مدى تخبط الإستراتيجية التعليمية وضياع المنظور الوطني الشامل في إعداد الكوادر الوطنية لإدارة عجلة الإنتاج والمشاركة في التنمية الاقتصادية فوجود البطالة بين صفوف الجامعيين يعني توطين البطالة لدينا واتساع رقعتها، وما يزيد الطين بلة أن وزارة العمل لازالت تـُفسر البطالة على أنها تقتصر على الراغبين في العمل والباحثين عنه علماً بأن علينا أن نقيس البطالة بقوة العمل المعطلة في المجتمع وكل فرد في المجتمع قادر على العطاء والإنتاج والإسهام في التنمية وفي ذات الوقت هو خارج حلقة المشاركة والإنتاج.
ومثالاً على ذلك أن ما تملكه الوزارة من إحصائيات عن البطالة هو ما تملكه عن قوائم مدونة لديها وعلى قوائم الانتظار وليس الحجم الفعلي للبطالة في مجتمعنا، ناهيك عن حقيقة البطالة المقنعة والتي تسهم الوزارة في خلقها بسبب سياسة الفرض والترقيع وسياسة المقايضة في عملية التوظيف حينما تتجه هيئة سوق العمل بمقايضة المؤسسات والشركات فمقابل حصولهم على رخص عمل للعمالة الأجنبية عليهم أن يوظفوا اثنين أو أكثر من العمالة المحلية في أسلوب مقايضة بتوظيف عشوائي، بل وكما تعلم الوزارة وهمي، ففي كثير من الأحيان يتم توظيف المواطن قسراً فيجد رب العمل أن لا مفر له من الرضوخ لسياسة المقايضة حتى يحصل على حاجته من العمالة الأجنبية وهذا ما يُفسر تضخم العمالة الأجنبية لتصل إلى 781396 بعام 2008 بعد أن كانت529192 بعام 2002 وذلك طبقاً لما أوردته الإحصائيات الرسمية.
أن العمالة الوطنية بسبب سياسة المقايضة تلك تدور في حلقة مفرغة وعدم استقرار وظيفي لأسباب عدة منها العمل المناسب أو الأجر المناسب، فتنتقل في عملية تدوير للبطالة بشكل مستمر من مرحلة التوظيف القسري إلى مرحلة نقطة البداية من التعطل والبحث عن عمل، هذه معضلة للأسف الشديد تخلقها سياسة التوظيف التي تتبعها وزارة العمل أو هيئة سوق العمل دون النظر بشكل جدي لآلية جذر المشكلة واتخاذ السُبل الكفيلة بحلها ضمن سياسة وطنية راسخة وواضحة بعيدة عن الحلول الآنية ذات المدى القصير.
لقد كانت هيئة سوق العمل تؤكد على الدوام في إستراتيجية عملها على أنها ستعتمد سياسة التدريب والتأهيل للعمالة المحلية لخلق أفضليتها في سوق العمل فهل يتحقق ذلك عبر سياسة المقايضة في التوظيف وآلية الفرض على أرباب العمل الذين لديهم الإمكانيات البارعة في المراوغة وإعادة الكرة إلى مرمى الوزارة من جديد والعودة من جديد إلى نقطة الصفر.
إن قطاع الإنشاء والتشييد اليوم هو من تتوفر لديه إمكانية فرص العمل والتوظيف ومن يحتل الصدارة في سوق العمل ولكن هذا القطاع تتدنى الأجور فيه ويعتمد اعتماد شبه كُلي على العمالة الأجنبية سواء الماهرة منها أو غير الماهرة فهل حقاً هناك إمكانية لبحرنة هذا القطاع في ظل مستوى الأجور السائدة فيه وظروف العمل الشاقة التي يتسم بها؟ هل صندوق العمل سيخلق بعام 2012 حوالي 40,000 من الأيدي العاملة الوطنية الماهرة لسد حاجة هذا القطاع وبأجور مناسبة.
قد تكون تلك حقيقة لا ينكرها أحد، علماً أن أبناء البلد وحجم قوة العمل المحلية لدينا لا يمكنها تغطية الحاجة الفعلية لسوق العمل وبالتالي لا غنى لنا عن العمالة الأجنبية لسد النقص ولكن أمام هكذا حقيقة كيف نفسر وجود تفشي بطالة بين أبناء البلد ، وفي ظل واقع كهذا ومعادلة اقتصادية نقول أن هناك خللاً في الميزان فإذا كان العرض يفوق الطلب فلماذا تنعدم فرص التوظيف ونجد أصحاب المؤهلات الجامعية بحاجة للتأهيل من جديد والبحث عن سُبل توظيفهم أليست هذه مفارقة غريبة !.