ما كادت الكويت تتجاوز أزمة الفتنة الفئوية، التي أججتها بعض قنوات الإعلام الفاسد، ومعها ما كان يثار حول «يوم عاشوراء»، حتى انطلقت قبل أيام تصريحات نواب الشحن الطائفي المتبادل حول الشيخ محمد العريفي… وهذا ما يكشف أمرين بالغي الخطورة، أولهما أنّ هناك حالة غير مسبوقة من الاستقطاب الفئوي والطائفي يمر بها المجتمع الكويتي تتطلب الانتباه والحذر، وثانيهما أنّ هناك أطرافاً تتعمّد التأجيج الفئوي والطائفي لابد من تسليط الضوء على أجنداتها وأغراضها.
إنّ المشكلة ليست مشكلة وجود فئات اجتماعية مختلفة أو مشكلة التعدد الطائفي داخل المجتمع الكويتي فهذه تقسيمات طبيعية في أي مجتمع إنساني، ولكن المشكلة أنّ هناك مَنْ يدفع في اتجاه تحويل هذه التقسيمات القائمة إلى انقسامات دائمة، ويستثير مشاعر المواطنين البسطاء ويؤجج النعرات الفئوية والطائفية لفرض حالة من الاستقطاب الحاد داخل المجتمع، ويسعى إلى إبراز الهويات الجزئية من مناطقية وقبلية وطائفية وعائلية ويعمل على تحويلها إلى بدائل عن الهوية الوطنية الكويتية الجامعة.
والخطورة أنّ بعض المتحمسين من حسني النوايا من غير المغرضين، بل حتى بعض الأطراف التي تعتاش على الاستقطاب الفئوي أو الطائفي، أو تلك التي تحركها أهداف ومصالح سياسية ذاتية أو حسابات واعتبارات انتخابية آنية، تشارك بوعي أو بدون وعي في مثل هذا الشحن الفئوي والطائفي من دون أن تدرك أنّ هناك مخططات معلنة للصهاينة ولعصابة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية كانت ولا تزال تستهدف تفتيت المجتمعات العربية والإسلامية وإلهاءها بصراعات فئوية وطائفية، وتحويلها إلى كيانات منقسمة ومتعادية، وإعادة تركيبها على نحو مختلف، وذلك ضمن ما يسمى «نظرية الفوضى الخلاقة»، وهذا ما نجحت بتحقيقه في السودان، وأنجزته في العراق، وبدأت به أخيراً في اليمن… وكانت قد أعلنت أنّها تسعى إلى افتعاله في المملكة العربية السعودية… وبالطبع فإننا في الكويت لن نكون استثناءً غير مشمول بمثل هذه المخططات الخبيثة، بل إنّ وضعنا كبلد صغير؛ وموقعنا الاستراتيجي الهام؛ ومقدراتنا النفطية الهائلة تمثّل إغراءات إضافية لشمولنا بها.
وإزاء وضع كهذا، فإنّ القوى الحيّة والعناصر الواعية داخل المجتمع الكويتي معنية بأن تدرك خطورة هذه المخططات والأجندات، وتنبّه إلى انعكاساتها علينا، وأن تحاول تدارك الحالة الخطرة، التي يُخشى أن ينزلق مجتمعنا الكويتي نحوها، وبالتالي فعلى هذه القوى والعناصر أن تبادر إلى التحرك لكشف هذه المخططات، وأن تبرز أمام الرأي العام مخاطر الانجرار إلى حالة الاستقطاب الفئوي والطائفي وتداعياته الوخيمة، وأن تسعى ما استطاعت إلى إعادة الاعتبار مجدداً إلى أولوية الانتماء الوطني؛ وإلى الهوية الوطنية الكويتية السابقين على أي انتماء أو هوية أخرى.
وبالطبع فإنّ الملاذ الوحيد، وأكرر الوحيد، لنا ككويتيين من الانجرار نحو حالة التفتيت الفئوي والطائفي هو نظامنا الديمقراطي الدستوري، الذي يمثّل المشروع الوطني الجامع، ويضع الأساس، الذي يجب أن يتحقق بصورة ملموسة للمواطنة الدستورية القائمة على الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص… وغير هذا اندفاع متسارع لا رجعة فيه نحو هاوية الفوضى الخلاقة.