تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2009 الذي اعدته الامانة العامة للجامعة العربية بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي ومجموعة من الخبراء العرب وجه له انتقادات لكونه كما يقول البعض يشكو من علل هيكلية في بنائه ومنهجيته وفي ابتعاده عن مفهوم التنمية البشرية وعن وظائفه المفترضة، ولكونه ايضاً لا يرتبط بشكل مباشر بأمن الانسان، والشيء الآخر انه تكرار لقائمة التوصيات نفسها التي نقرأها في التقارير الاقليمية والدولية العامة.
ومع ذلك، مهما اختلف هؤلاء مع مضمون هذا التقرير ربما لاعتقادهم انه “مؤامرة” على الامة العربية، او ربما يمس مصالح معينة، فان نتائجه وملاحظاته ومنطلقاته الاساسية مرتبطة بشروط التنمية البشرية الحقيقية التي ما لم يكن جوهرها الانسان فلا فائدة منها ولاسيما اذا ما ابتعدت هذه الشروط والمقاييس عن حماية البيئة، ودولة القانون والقضاء على الفقر والجوع، وتنويع النشاط الاقتصادي، والنهوض بالخدمات الصحية والتعليمية والاسكانية، ومكافحة التمييز، والعنف ضد المرأة والاتجار بالبشر، وتطور المجتمع المدني، وترسيخ حقوق المواطنة.
وبالرغم من الجدل الدائر حول نتائج هذا التقرير فان التحديات والمعوقات التي تعترض التنمية البشرية من الدول العربية كثيرة، وبالتالي التغلب عليها هي من مسؤولية الحكومات العربية. ولكن نستطيع ان نقود بنجاح هذه التنمية يجب علينا الاخذ بالنتائج التي كشف عنها التقرير من اهمها ان هناك ما يزيد على 140 مليون مواطن في هذه الدول يعيشون تحت خط الفقر المدقع، اي ان معدلات الفقر تصل الى 40٪ والمؤشرات على هذه الظاهرة تشير الى انه لم يحدث اي انخفاض في متوسطات الفقر على المستوى العربي خلال السنوات العشرين الماضية قياساً بمعدلات 1990 ورغم الارقام العديدة التي تدعي زيادة في نسب النمو في عدد من الدول الا انها تبقى بعيدة عن المواطن؛ لان المشكلة في اعادة توزيع الدخل. وحول البطالة كشف التقرير ان نسبة الشباب من اجمالي السكان العاطلين تزيد على 50٪ بالنسبة لمعظم الدول العربية مما يجعل معدل البطالة بين الشباب في الدول العربية الاعلى في العالم كله، واما بالنسبة لمشكلات الامن الغذائي اوضح التقرير انه لا يزال تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء حلماً صعب المنال، وان نجحت بعض الدول في ذلك، فلم تشهد نسب السكان الذين يعانون من نقص التغذية اي تحسن يذكر عن معدلات عام 1990 وعلى هذا الاساس حذر التقرير من خطورة اوضاع نقص التغذية خاصة في الدول العربية الاقل نمواً، والتي تعاني من ازمات سياسية وبيئية، كما في الصومال والسودان واليمن، في ظل الازمات العالمية في الغذاء والوقود يمثل التحدي الرئيسي في ان الدول العربية التي يقطنها غالبية السكان الفقراء هي دول مستوردة للغذاء، وهي كذلك مستوردة للوقود او لديها صادرات وقود محدودة ومتناقصة، ومن ثم يكمن التحدى في اقرار سياسات الاقتصاد الكلي التي تعمل على المحافظة على استقرار الاقتصاد وتحد من تأثير ارتفاع الاسعار على المستهلكين الفقراء، وهنا دعا التقرير الدول العربية الى اعتماد نهج اقتصادي جديد يعتمد على عنصرين اساسين هما التحول من نموذج نمو قائم على البترول والمواد الاولية لا يحقق التنمية الى نموذج الدولة التنموية الذي يتوقف مقياس النجاح فيه على اداء القطاعات المنتجة والحد من الفقر وعدم المساواة، وايجاد فرص عمل الى جانب ضمان حق الغذاء لكافة الشعوب العربية من خلال عقد اجتماعي عربي تتعهد بموجبه الدول الغنية بدعم عملية القضاء على الجوع في المنطقة كلها، خاصة في الدول الاقل نمواً، ويكون ذلك من خلال تحالف تنموي تساعد فيه الدول العربية الغنية بالبترول شقيقاتها الاقل نمواً في الخروج من الركود الذي تعاني منه، والشروع في تنفيذ خطط تنموية تقوم على النمو الشامل، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
على العموم، هذا التقرير ليس الاول من نوعه، بل هناك عدة تقارير مختلفة لها علاقة بحقوق الانسان والتنمية والمرأة والطفولة وغيرها، والسؤال .. الى اي مدى يؤخذ بتوصيات ونتائج هذه التقاير؟ هذا هو المهم.
صحيفة الايام
23 يناير 2010