إن (عقود العمل المؤقتة) المحددة المدة، أو غير المحددة المدة، ما بين صاحب العمل والمواطن البحريني، هي بنوعيتها وأنظمتها وطبيعتها، تمثل استغلالاً للعمالة الوطنية، بمصادرة حقوقها، وإنزال الحيف بها.. بينما (عقود العمل المؤقتة) الأخرى، المبرمة مع العمالة الأجنبية وخاصة منها الكفاءات والمهارات الأجنبية، مع مختلف الإدارات الحكومية، وشتى إدارات الشركات والمؤسسات الكبرى فإن نظام هذه العقود المؤقتة، سواء فيما يتعلق بالكفاءات المستقدمة من الخارج أو الكفاءات المستقطبة من الداخل.. هي جميعها تظل حقائقها وتداعياتها راسخة وواضحة، على عكس (عقود العمل المؤقتة) الأولى.. لكون (عقود العمل المؤقتة) الثانية، قد تمثل أداة تعسفية بخضوع هذه الشركة أو تلك الوزارة لطائلة استغلال من قبل هذه الكفاءات الأجنبية العاملة لديها.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإنه يمكن القول إنه بقدر ما يسير واقع الشرائح الكبيرة من العمالة البحرينية، جراء (عقود العمل المؤقتة) لدى العديد من الوزارات، والكثير من الشركات نحو الأسوأ.. فإن المؤسسة أو صاحب العمل يظل الطرف الأقوى حول نظام هذه (العقود المؤقتة).. حينما تتضاعف المعاناة من خلال علاقة إنتاجية غير متكافئة طالما اتسمت هذه (العقود المؤقتة) بكثير من السياسات الإدارية الأوتوقراطية والمبررات التسويفية الملتوية.. التي تأتي نتائجها في نهاية المطاف فسخ (هذا العقد) في أي وقت رغبت فيه إدارة هذه الشركة، وفي أي حين شاءت تلك الإدارة الحكومية.. وبالتالي تنفيذ مسلسل الفصل التعسفي بحق هذا المواطن، ليلقى به على قارعة الطريق، ومضاعفة معاناته النفسية والأسرية.. ناهيك عن حرمانه من مظلة التأمينات الاجتماعية والصحية والإجازات السنوية والرسمية والوطنية، ومزايا الأنظمة التقاعدية.. ضاربة هذه الشركات وتلك الإدارات الحكومية المادة الـ (13) من قانون العمل، ومواد الدستور وقوانين منظمة العمل الدولية عرض الحائط.
ويبقى القول صحيحاً هو حينما استأسدت إدارات القطاعين (العام والخاص) على العمالة الوطنية العاملة لديهما، بنظام (عقود العمل المؤقتة).. فإن هذه الإدارات ذاتها، غالباً ما استقدمت من الخارج كفاءات أجنبية غير مؤهلة، وليست على مستوى من الاستحقاق التنموي أو التخصصي المنشود.. والأدهى من ذلك كله، هو استمراء هذه الإدارات التهميش الموجه إليها، من قبل هذه الكفاءات الأجنبية التي تعمل لدى الوزارات والشركات بنظام (عقود العمل المؤقتة).. يتمثل هذا في استمراء القيادات الإدارية واستسلامها للشروط والإجراءات المفروضة لتلك الكفاءات الأجنبية، خلال مساعيها إلى الابتزاز الذي تنوعت مغازيه وتعددت دلالاته.. ليأتي هذا على حساب تدهور التنمية، وتخلف الإنتاج، وانخفاض الدخل والربحية، وانهيار سمعة المؤسسة اقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا.
ولعل شواهد واقع هذه الوزارة أو تلك المؤسسة، غالباً ما أكدت أن شهادات وبحوث هذا الخبير الأجنبي غاية في التدني اقترنت في نهاية المطاف بمظاهر الفشل وخيبة الأمل، انعكاساً لفداحة الخسائر المالية التي منيت بها هذه الإدارة الحكومية أو تلك المؤسسة الخاصة، مثلما يتم تدهور المشاريع الإدارية أو التنموية أو الفنية أو الصناعية أو الخدماتية لديها.
وقد حدث ويحدث، أن هذا الخبير الأجنبي يترك موقع عمله بمحض إرادته وبالتالي مغادرته البلاد، من دون إكمال ذاك المشروع المنوط به، على الرغم من فشله أصلا.. ولكن وعلى الرغم من ذلك كله تظل القيادة الإدارية لدى هذه الوزارة أو تلك المؤسسة، مصرة بمحاولاتها الدؤوب على دعوته إلى الرجوع ثانية إلى مملكة البحرين من أجل إكمال هذا المشروع المعلق.
ولعل من العجب العجاب أن هذه الإدارات تسعى في الوقت ذاته إلى تهميش الكفاءات الوطنية العاملة لديها، من دون أن تعطيها أدنى الاهتمام أو الآذان الصاغية إلى ملاحظاتها ونصائحها حول تكديس الكفاءات الأجنبية، وإزاء تعثر مشاريعها التنموية المنوطة بها، ومن دون الاستفادة من إبداعات وإنتاجان هذه الكفاءات الوطنية أو احتضان مقترحاتها وأفكارها الناجحة.
من هذا المنطلق نستطيع القول: إن وجه المقارنة ما بين إقدام القيادات الإدارية لدى مختلف الوزارات والشركات، على تهميش عمالتها البحرينية من خلال نظام (عقود العمل المؤقتة) وما بين خضوع هذه القيادات الإدارية في الوقت ذاته لطائلة أساليب وشروط الكفاءات الأجنبية خلال (عقود العمل المؤقتة).. قد تكون تداعياتها وراء إخفاق هذه الإدارات في القطاعين (العام والخاص) الذي هو يكشف بكل جلاء عن أنه انعكاس لعقليات فصل أصحابها من المتنفذين، عملية التنمية الإدارية عن العملية التنموية الاقتصادية والتكنولوجية والفنية والمعلوماتية.. مثلما افتقد هؤلاء مقومات الشخصية الإدارية الناجحة، وافتقروا إلى الأساليب الإدارية الحديثة والديمقراطية في ظل غياب المشاركة الجماعية الفعلية.. طالما وضع هؤلاء الإداريون مصالحهم الشخصية ومآربهم الذاتية فوق كل اعتبار وتجاوزهم كل المصالح الوطنية والمجتمعية العليا.
إذاً فليس ثمة ما يثير الاستغراب بهذا الصدد في أن تنقسم آراء الأعضاء لدى معظم مجالس الإدارات مقرونة بترسيخ مظاهر البيروقراطية والواسطة والمحسوبية، وبمزيد من انفصام التفكير وازدواجية الممارسات العملية، عبر الخلافات الشخصية والأهواء الذاتية بحسب ما أسلفنا الذكر.. ولكون هؤلاء الإداريين الكبار، قد ارتأوا أن عملية استقدام الكفاءات الأجنبية من الخارج، قد تشبع نزواتهم البراجماتية، وتلبي مصالحهم الانتهازية، واستئثارهم بالثروات وتراكم الرساميل الكبيرة، تتمثل في استغلالهم علاوات السكن الكبيرة التي يحصل عليها هؤلاء المستقدمون الأجانب.. من خلال تأجير الممتلكات العقارية المتعددة والكثيرة، لكثير من أعضاء المجالس الإدارية والمديرين والمسئولين الكبار، على مختلف تلك الكفاءات الأجنبية، من فيلات نموذجية وعمارات وأبراج بلغت ارتفاعها عنان السماء، بحيث تدر على هؤلاء مئات الآلاف من الدنانير مع نهاية كل عقد للإيجار.. وبالتالي تأتي الاستنتاجات الخالصة، بأن الكثير من القيادات الإدارية لدى القطاعين (العام والخاص) بقدر ما سعت وتسعى إلى تهميش الكفاءات الوطنية لديها، وتهميش (عقود العمل المؤقتة) والمبرمة مع العمالة البحرينية.. فإن هذه القيادات قد وضعت نصب أعينها على (عقود العمل المؤقتة) المبرمة مع الكفاءات الأجنبية، ودفعت جل اهتمامها لحقائقها وشروطها.. لأن عملية استقدام هذه الكفاءات هي أسباب محورية في ازدهار عقاراتها وانتفاخ جيوبها ومضاعفة أرصدتها البنكية
أخبار الخليج 15 يناير 2010