رأينا كيف بدأ الرأسمال التجاري صنع العلاقات البضاعية الجديدة، حيث لم يستطع الغوصُ أن يشكلها، ودخلتْ بضاعةُ النفط في أوائل الثلاثينيات بشكلين سياسي واقتصادي، فمداخيل النفط خضعت لتوزيع حددته السلطة البريطانية، بأن يكون ثلاثيا: “الثلث الأول للأسرة الحاكمة، الثلث الثاني للميزانية العامة، الثلث الثالث للاحتياط”، ولكن الرأسمالية الخاصة لم تكن لها حصة إلا من خلال الاستفادة من فوائض النفط الموظفة في مختلف جوانب الاستهلاك الشخصي والعام.
أي أن جوانب الاستهلاك الشخصي تعني شراء سلع من السوق، سواءً كانت بضائع مادية مباشرة كالملابس والأحذية والأسمنت وغيرها، وهي التي ستتنوع كثيراً مع تبدلات الاستهلاك العادية أو الباذخة، أو كانت بضائع على شكل خدمات نقل، وشحن وصرافة وغيرها.
هذا يعتمد على السوق وكيفية مجيء الفوائض النقدية النفطية إليها، ونقول النفطية حصراً، لأنها ستكون أكبر الفوائض النقدية المحركة لعجلة التغييرات الاقتصادية، وستبقى الفوائضُ النقديةُ الأخرى تصب في مجرى السوق، وبالتالي تقومُ بتغييرِ طابعِ الرأسمالية الخاصة، وتفتحُ لها قنواتٍ جديدةً، توسعُ ما كان سابقاً من رأسماليةٍ تجاريةٍ سائدة.
نلاحظ في هذه السنوات الأولى من آثار فوائض السلعة النفطية مجموعة من التغييرات والمشروعات، فكما أن الرأسمالية الخاصة تزدهر، كذلك فإن الرأسمالية الحكومية تظهر وتبدأ نشاطها.
من جهة الرأسمالية الخاصة تبدأ السلع الاستهلاكية “المعمرة” بالظهور والإتساع، كبضاعة الدراجة والراديو.
“أصدرت حكومة البحرين إعلاناً تفرض فيه على عموم أصحاب الدراجات (السياكل) أن يمشوا في الطرق والشوارع العمومية طبقاً لقانون السيارات وأن يسلكوا جهة اليسار كما فرضت الحكومة في إعلانها هذا حمل فانوس مضاء من قبل سائق الدراجة من بعد غروب الشمس وأن من يخالف ذلك يعاقب”.
“في هذا العام وصلت الى أسواق البحرين أعداد قليلة من أجهزة الراديو الجديد ذات القطعة الواحدة، حيث كان الجهاز القديم ذا 4 قطع كبيرة مع الهوائي الأصغر نسبيا، فكانت البيوت المالكة لمثل هذه الأجهزة القديمة تخشى إفشاء سر وجوده لكي لا يتهم أصحابها بالكفر والشعوذة ومن ثم مقاطعة الناس لهم، غير أن هذا الجهاز الجديد لقي طلباً كبيراً من قطاع كبير من الأهالي”.
نشرت جريدة “البحرين” في عددها رقم 46 إحصائية بعدد أجهزة الراديو في البحرين، حيث بلغ عدد الأجهزة الإذاعية (الراديو) حسب ذلك الإحصاء 511 راديو، لذلك بسبب الاهتمام بالاستماع لأخبار الحرب العالمية الثانية من إذاعة برلين “العربية” والإذاعة العربية الإيطالية في مدينة باري(سنة 1940).
هذه البضائع لاتزال تتداول في سوق ذات طلبيات محدودة، تعبر عن ضيق ذات اليد للقوى العاملة، التي راحت تنتقلُ من أعمالِ الغوص بدرجةٍ أساسية إلى الأعمالِ الجديدة، فيما لاتزال الزراعة ذات أساسٍ مهم في الاقتصاد، وبهذا فإن الدخُولَ لم تكن كبيرة ومؤثرة في تعميق السوق المتخلفة، ولهذا فإن عائلة كانو وغيرها من العائلات التجارية تقوم بالتوجه إلى أسواق أخرى في البلدان المجاورة، مما يعبر عن توسع رأسمالها وتناميه.
في حين أن عائلة تجارية أخرى كعائلة المؤيد تركز في السلع الاستهلاكية المعمرة الجديدة الداخلة في السوق بشكلٍ بطيء.
إن سلع الدراجات، وأجهزة الراديو المُفكّكة ثم المُجمعّة، والمراوح والمكيفات، ستكون من السلع التي تنمو جنباً لجنب مع تطور المعيشة وبناء البيوت الجديدة والتخلص من بيوت الأكواخ تغييرا سلميا أو حرقا.
فيما ستنمو السلع الأكثر قيمة وبذخاً بشكلٍ أقل بالنسبة إلى العامة، أما بالنسبة إلى الخاصة فستكونُ جنباً لجنب مع تغيير طابع البيوت القديمة إلى الفلل والقصور.
ولهذا فإن طابع الشركات الخاصة سوف ينمو تبعاً لحاجات السوق وتنوع الطلب، ومن هنا سنرى العديد من البيوتات التجارية تتوجه إلى تلك البضائع الاستهلاكية المعمرة المهمة للمنازل والخدمات المختلفة التابعة لها، وكذلك ما يتلوها من سلع ذات قيمة في التصنيع والتصليح والتطور الاجتماعي عامة.
“المؤيد: من العائلات الشهيرة في البحرين والخليج العربي، فقد تأسست مجموعة يوسف خليل المؤيد وأولاده قبل ستة عقود، وتمتلك المجموعة أنشطة منوعة من بينها مجموعة يوسف خليل المؤيد وأشرف ومجموعة المؤيد للمقاولات.
وتشتمل الأنشطة التي تعمل فيها عائلة المؤيد على تجارة السيارات والأنشطة التجارية والعربات والمعدات الثقيلة ومعدات المقاولات والمقاولات الصناعية ومقاولات التكييف والتكنولوجيا الطبية وتجارة الأجهزة الالكترونية والمنزلية والأثاث وغيرها.أسس المجموعة الوجيه يوسف خليل المؤيد ويقودها اليوم الوجيه فاروق يوسف المؤيد”.
“فخرو: مازالت مجموعة فخرو تعمل في البحرين منذ عام 1888، ولديها اليوم نشاطات في مجالات متعددة في البحرين وبقية دول الخليج العربي. هذه النشاطات تتضمن التجارة، بيع محركات الديزل، الكيماويات، الإطارات، البطاريات، معدات الحماية من الأشعة، التأمين، الشحن، النقل، الأغذية.
وقد توارث المرحوم الحاج يوسف عبدالرحمن فخرو الأعمال من والده، وقام بتحقيق توسعات كبيرة في أعمال المجموعة خلال النصف الأول من القرن الماضي. وبوفاته عام 1952 تطورت أعمال المجموعة من التعامل في مواد البناء التقليدية والتمور إلى مؤسسة تجارية نشطة في عالم التصدير والاستيراد وتمتلك أسطولاً من البواخر. كما تمتلك المجموعة فروعاً في البحرين والعراق والإمارات والهند.
وفي الجيل التالي، تولى المرحوم عبدالله يوسف فخرو القيادة وقام بإعادة تنظيم الأعمال من خلال تأسيس الشركات الفرعية والأقسام المتخصصة، وتمتلك المجموعة اليوم مجموعة من الشركات المتخصصة في مجالات تجارة السيارات والأجهزة الالكترونية وأجهزة الاتصالات والمطاعم والخدمات التأمينية والمقاولات والمواصلات وأجهزة الكمبيوتر وغيرها”.
“الزياني: تعود مشاركة عائلة الزياني في النشاط التجاري الحديث إلى ما يزيد على ثلاثة أجيال، فقد تأسست استثمارات الزياني في عام 1977 كإحدى الشركات النشطة والفاعلة في البلاد. وللشركة أنشطة متنوعة تشمل تجارة السيارات، الرعاية الصحية، الأنشطة الصناعية، العقارات، الخدمات.
ففي أعقاب إنشاء شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) في عام 1971 كأول مصهر للألمنيوم في منطقة الشرق الأوسط كانت استثمارات الزياني أول مجموعة شركات خاصة تعمل على الاستفادة من المزايا الضخمة لإنشاء الصناعات التحويلية واستغلال الألمنيوم المصهور.
وفي عام 1987 تأسست ميدال للكابلات المحدودة بطاقة إنتاجية مبدئية قدرها 20 ألف طن متري (زادت لاحقا إلى 90 ألف طن) لإنتاج كابلات وقضبان الألمنيوم من الفئة المقررة لدى الاتحاد الأوروبي وقضبان وسبائك الألمنيوم اللازمة للتطبيقات الميكانيكية والكهربائية وجميع أنواع موصلات الألمنيوم المقواة بالصلب والموصلات المصنوعة من سبائك الألمنيوم اللازمة لخطوط نقل الكهرباء.
وفي عام 1998 انطلقت السيارات الأوروبية كوكالة لسيارات بي إم دبليو قبل أن تحصل على توكيلات كبرى السيارات الشهيرة مثل رولز رويس، فيراري، مازيراتي، ميني، لاندروفر، روفر، إم جي في إطار أنشطتها”.
“العالي: تعد شركة أحمد منصور العالي إحدى الشركات الكبرى في البحرين التي تعمل في مجال المقاولات والبنية التحتية الصناعية، معدات البناء، التجارة، التطوير العقاري.
تأسست الشركة في عام 1948 على يد أحمد منصور العالي، وهي شركة عائلية، تحقق اليوم عائدا سنويا يتجاوز 300 مليون دولار أمريكي، وبها أكثر من 20 قسما، بالإضافة إلى الشركات التابعة والمشاريع المشتركة، التي توظف أكثر من 5 آلاف موظف، وتلبي احتياجات العملاء في كل من القطاعين العام والخاص”.
(أسواق، العائلات الثرية في الخليج تجلس على أكثر من تريليون دولار. د.حسن العالي، نزيهة سعيد، 16 أغسطس، 2009).
هذه العائلات التجارية تقارب عائلة كانو في البدء بالتجارة البسيطة ثم في نمو الأعمال المختلفة المتوازية مع التطور النفطي، وتطور الاقتصاد والحياة الاجتماعية عامة.
لكن لتراكم العوائد من التجارة احتاج الأمر إلى عقود طويلة، ولدور عوائد النفط في تطور السوق، ولحراك الرأسمال التجاري في أسواق أخرى غير سوق البلد، ولتدني مستوى الأجور للعاملين.
صحيفة اخبار الخليج
16 يناير 2010