اشكالية الديمقراطية العربية مقال لجورج طرابيش نشر في كتاب “الحقوق والحريات العامة” وهو مجموعة مقالات جمعها وحررها محمد كامل الخطيب.. ويتألف هذا الاصدار من ثلاثة اجزاء تحتوي على اربعة اقسام وهي الحرية والحريات العامة، والتعصب والتسامح، مسألة الديمقراطية، حرية التفكير والتعبير.
يستعرض طرابيش في هذه المقالة الغنية شروط تطبيق او ممارسة الديمقراطية في العالم العربي، اذ يعتقد ان هذه الشروط تشير الى تباين الهويات القطرية في هذا العالم وعلى تفاوت درجات تطور (او تخلف) المجتمعات العربية، وبالتالي على اللاتساوي في درجات تقبل هذه المجتمعات للديمقراطية.
وعلى صعيد هذه الشروط يقول: ان أول ما يمكن ملاحظته ان الديمقراطية في العالم العربي هي موضوع طلب ايديولوجي شديد ولكن بدون عرض على صعيد الواقع الفعلي وبدون تأسيس نظري على صعيد المفهوم.
ومن هذه الاستنتاج يصل الى اهمية الوعي النقدي لا للمسلمات، ومن هذا المنطق يعتقد ان أولى اشكاليات الديمقراطية العربية قابلة ضمن التسمية المجازية: اشكالية المفتاح والتاج.
وملخص ذلك كما يقول: الموقف الايديولوجي يرى في الديمقراطية مفتاحًا لحل مشكلات المجتمعات العربية، وهذا المفتاح هو بالضرورة من طبيعة سحرية مثله في ذلك مثل سائر “المفاتيح العجائبية” التي اناطت بها الايديولوجيا العربية معجزة النقلة الفجائية بلا مجهود ولا كلفة ولا زمن من واقع التأخر الى مثال التقدم، ففكرة الديمقراطية تضطلع اليوم بالوظيفة نفسها التي اضطلعت بها في طور فائت فكرة الاشتراكية، وفكرة الثورة ومن قبلها فكرة الوحدة او حتى فكرة النهضة. وعلى هذا الاساس تحدث طرابيش عن الديمقراطية قائلا: لا يعني ان الديمقراطية لا تصلح لان تكون نقطة انطلاق، ولكن ذلك بقدر ما تشكل في الوقت نفسه نقطة وصول، واذا كان لها ان تدشن تطوراً بعينه فليس يجوز ان يغيب عن الوعي انها تتوج التطور، وقبل ان تكون الديمقراطية مفتاحاً لجميع الابواب فإنها هي نفسها بحاجة الى مفتاح ولعل بابها لا يفتح الا بعد ان تكون جميع الابواب الاخرى قد فتحت او بالتواقت معها على الاقل وحتى اذا امكن تصور الديمقراطية كسابقة لا كلاحقة فليست هي عصا الجنية بل معول فعله التاريخ الذين هم بشر من لحم ودم وعرق وليس الهدف من هذا التوكيد على مشروطية الديمقراطية تسفيه من يرفعون شعارها كشرط بل فقط التحذير من وهم المعجزة، هل الديمقراطية هي مجرد صيغة للحكم ام هي ايضا ثقافة؟
سؤال يطرحه لقناعته بأن الديمقراطية وفي الحالة العربية اذا كانت مجرد اجرائيات فإن ذلك سيقتل بذرتها في مهدها وبالتالي فالثقافة الديمقراطية هنا هي شرط تخصيب التربة وشرط النماء وبدون ثقافة الديمقرطية فإن الاجرائية او الشكلانية الديمقراطية قد تنقلب وبالًا على الديمقراطية نفسها.
ومن بين هذه الاشكاليات يرى ان اشكاليات الديمقراطية العربية لا تكمن فقط في النظم العربية بل حتى ايضا في المعارضات العربية التي تضيق من ممارسة الديمقراطية في احزابها وخاصة اذا كانت هذه الاحزاب طائفية او احزاب الاسلام السياسي.
ومن هنا يشير الى السيطرة المتصاعدة للحركات الاصولية على الشارع في العالم العربي قائلا: صحيح ان بعض التيارات الهامشية في الحركة الاصولية نفسها تؤكد شعاريا على تمسكها بالقيمة الديمقراطية ولكن سواد الحركة الاصولية لا يخفي مجانبته لها، فالديمقراطية كما يدل اسمها بالذات قيمة “غربية” والحضارة الغربية بأسرها مرفوضة. وحتى لو استولى الاصوليون على السلطة بطريقة ديمقراطية فإن اول عمل لهم إلغاء الديمقراطية نفسها بوصفها نظاما مستورداً ودخيلاً.
ومن هنا يقودنا الى اشكالية اخرى هل تباح حرية النشاط السياسي لقوى سياسية لا تؤمن بالديمقراطية ولا تتوسل بها إلا بهدف إلغائها؟
الجواب على ذلك هو ان الديمقراطية هي عقد، وكما في كل تعاقد فان التزام جميع الاطراف بشروط العقد شرط لقيامه وسريان مفعوله والحال ان العقد الديمقراطي لا يقبل زغلاً او تدليسا.
حقيقة هناك اشكاليات كثيرة وقف عندها طرابيش وخاصة تلك التي لها علاقة بحقوق المرأة السياسية والنظم الانتخابية والتعليم والامية والطائفية والقبلية ويضاف الى ذلك المال السياسي وشراء الذمم والتزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات.
صحيفة الايام
16 يناير 2010