لابد أن يثار السؤال: مِمَن يجب أن تتشكل الكتلة الديمقراطية التي ندعو اليها. وهذا مصدر وجاهة ما أثاره صديقنا أحمد جمعة وهو يعقب على ما أثرته في الحلقات الثلاث الأولى من هذه الأسئلة، في مقال نشره منذ أيام قليلة في “الأيام”، حين انتقد فكرة حصر مكونات التيار الديمقراطي في ثلاث جمعيات فقط هي التجمع القومي والمنبر التقدمي وجمعية وعد.
لكن هذا يتطلب منا العودة إلى الوراء قليلاً لرؤية حقيقة أن الحركة الوطنية البحرينية الحديثة التي تشكلت في الخمسينات تكونت من ثلاث اتجاهات رئيسية، هي التيار اليساري – الماركسي ممثلاً في جبهة التحرير الوطني البحرانية، وحركة القوميين العرب التي منها تفرعت تشكيلات عديدة متفرقة، ولكن من الجسم الرئيسي للحركة انبثقت الجبهة الشعبية حين أعلن الجناح اليساري في الحركة، على المستوى العربي، تبنيه للماركسية –اللينينية بعد المراجعة التي تمت اثر هزيمة الخامس من يونيو / حزيران 1967.
وأخيراً هناك حزب البعث العربي الاشتراكي الذي انقسم أعضاؤه في نتيجة انقسام الحزب الأم، عربياً، إلى جناحين سوري وعراقي، وفيما استمر الجناح العراقي مستمراً في العمل تحت تسمية حزب البعث، الذي منه تشكل التجمع القومي اليوم، فان من المحسوبين على الجناح السوري تشكلت جبهة تحرير شرق الجزيرة العربية، وبعد ضرب الجبهة فان الجزء الأكبر من كوادرها انضووا في وقت سابق تحت راية الجبهة الشعبية.
هذه الحقيقة التاريخية تشير إلى أن أضلاع هذا المثلث هي القوام الرئيسي للتيار الوطني الديمقراطي، ومن هذه الأضلاع الثلاثة تشكلت التنظيمات الثلاثة بعد المشروع الإصلاحي: جمعية العمل الوطني الديمقراطي، التجمع القومي الديمقراطي، المنبر الديمقراطي التقدمي، التي هي الامتداد الراهن لتلك التكوينات التاريخية في ظروف اليوم.
هنا لابد من استدراكات مهمة: ليس كل من كانوا أعضاء في جبهة التحرير الوطني وفي الجبهة الشعبية وفي حزب البعث في المراحل التاريخية المختلفة هم بالضرورة أعضاء في التنظيمات الثلاثة القائمة اليوم: “التقدمي”، “وعد”، “القومي”، والأسباب هنا متعددة ولسنا في وارد تعداد هذه الأسباب لتنوعها.
ولكن هؤلاء جميعاً يشكلون قاعدة للتيار الديمقراطي، ولدى الكثير منهم من الخبرة والحكمة والحصافة ما يؤهلهم لأن يلعبوا دوراً مطلوبا منهم في ظروف اليوم، حتى لو آثروا أن يبقوا خارج الأطر التنظيمية الثلاثة، وللأمانة فان بعضهم يقوم بهذا الدور فعلاً بنسب متفاوتة، وفي تقديرنا أن من شروط هذا الدور، لكي يكون فعالاً وايجابياً، ألا يضعوا أنفسهم في خانة التحامل والخصومة والتصيد مع هذه التنظيمات حتى لو اختلفوا مع بعض أوجه سياستها، وإنما ينطلقوا من موقع الحنو والحدب على هذه التنظيمات برغبة مساعدتها على أداء دورها في الواقع المعقد الجديد الذي نعيشه، والتغلب على ما يمكن أن تقع فيه من أخطاء، وهذا أمر ربما عدنا إلى طرحه لاحقاً.
يظل أيضا أن التيار الوطني الديمقراطي أوسع من التنظيمات الثلاثة المذكورة ومن محيطها من المناضلين المخضرمين غير الأعضاء ومن الأنصار والأصدقاء، فهو يتشكل أيضاً من مؤسسات المجتمع المدني الحديث، وكذلك من التنظيمات الصغيرة التي تشكلت في نتيجة الانشقاق على بعض التنظيمات الرئيسية، وهذا أمر سنأتي على شرحه في حلقة قادمة من هذه السلسلة.
14 يناير 2010
صحيفة الايام