التقيتها لأول مرة في صيف 1969 في مدينة دمشق قابلتني بإبتسامتها البسسيطة غير المتكلفة أردفتها بنكتة من نكاتها الجميلة….توطدت العلاقة بيننا بسرعة بما نحمله من صفات متقاربة ربما حتى في الطباع.
كنت طالبة في جامعة دمشق سنة أولى كلية الفلسفة، جاءت لتلتحق بنفس الجامعة كلية التجارة…عشنا سوية في السكن الجامعي للطالبات ببساطتها واريحيتها كونت لها شريحة واسعة من الصداقات داخل السكن من مختلف الدول العربية، فقد كانت لديها المقدرة على أن تحب وتُحب بسبب عفويتها وحبها للحياة مجسدة هذا الحب من خلال مشاركتها الفعالة والمستمرة على جميع المستويات.
كانت عصامية عملت على تثقيف نفسها ومارست الحياة السياسية والاجتماعية من خلال انضمامها كعضو فاعل في رابطة طلبة البحرين في سوريا، محبة للبهجة والمرح تحب الغناء وتعشق الرقص عندما تشعر بألم لقضية ما تنفس عن هذ الألم بالرقص داخل حجرتها، كالفراشة تطير لموعد الحبيب بفستانها الأزرق السماوي، وشعرها المتموج المسترسل ترقص لنا رقصة الفراشة وتطير.
انغمسنا سويا في العمل السياسي مع طلبة جامعة دمشق، حيث كانت الأجواء في تلك الفترة مهيأة لهكذا عمل، وكان الانضباط عندها مقدساً لا تحيد عنه ثانية، تزعل وتنتقد عندما يتخلف أحدنا عن أي اجتماع.
استمرت حياتنا الطلابية بكل ما تحمل من آمال وأحلام ، كانت فترة خصبة تعلمنا فيها الكثير من سنن الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية…كانت الفقيدة مريم محاورة عنيدة لا تقبل الشيء على علاته – تسأل وتستفسر عن كل خطوة تخطوها…كنت ملاذها في معظم أسرارها، بعد تخرجنا تحققت أحلامنا العاطفية تزوجت مريم حبيبها الميتم أحمد، كما تزوجت من أحببت.
عادت مريم للبحرين لتواصل عملها النضالي في صفوف جبهة التحرير الوطنية البحرانية، والكثير من الرفيقات لازلن يتذكرن عطاءها اللامحدود في النضال من خلال العمل السري في فترة كانت البحرين تغلي تحت ظل قانون أمن الدولة.
مواقف إنسانية لا تنسى متغلغلة في الوجدان…بعد شفائي من مرض الًمّ بي في عام 2000، كانت ملازمة لي كظلي أيام المرض وبعد إنتهاء العلاج وهي تعلم مدى أهمية الاستقرار والراحة النفسية لهذا المرض، لذا اتفقت مع الصديقة العزيزة فوزية سلوم بأخذي في رحلة استجمامية للجمهورية العربية السورية لإعادة ذكرياتنا في تلك العاصمة، وهي تعرف مدى حبي وتعلقي بمواقع خاصة لها ذكريات حميمية في قلوبنا، ونحن في هذه الرحلة الاستجمامية، كنا نتحاور وباستمرار عن الوضع المأساوي للمرأة البحرينية بسبب غياب قوانين منصفة لها، فتعاهدنا على تأسيس جمعية نسائية بعد رجوعنا إلى الوطن.
ولهذا فإن فقيدتنا الغالية ليست من المؤسسات فقط لجمعية المرأة البحرينية بل هي صاحبة الفكرة في إنشاء الجمعية. كانت مريم دقيقة في حساباتها لأي مشروع كان ، كانت تناقش وتحاور في كل صغيرة وكبيرة ، ومدى إمكانية واستمرارية هذا المشروع..كانت ترفدنا بأفكارها النيرة والبناءة فنتجادل ونتحاور نتفق ونختلف لكن في النهاية نرجع للعمل الجاد .
تأسست الجمعية واُشهرت عام 2001 عملت مريم قرابة التسع سنوات بكل طاقتها وزخمها لتتبوأ الجمعية موقعها الحالي..تعمل بصمت ونكران ذات، تعطي ولاتأخذ …لم أتذكر يوماً طلبت مساعدة من أحد. تحل مشاكلها مع رفيق حياتها بصمت وإباء. تقلدت عدة مناصب في الجمعية . فكانت مثابرة جلودة في العمل – صادقة مبدئية في أفكارها…مثال على مبدئيتها: عندما خاضت انتخابات البلدية عام 2002 في الدائرة السادسة في المحافظة الوسطى وكانت التيارات الإسلامية السياسية مسيطرة على الشارع…طلب منها أن تتحجب وتغطي شعرها لتحصل على أصوات الدينيين، رفضت رفضاً قاطعاً هذا الإبتزاز وظلت ثابتة على مبادئها الديمقراطية الليبرالية التقدمية.
عملت مريم للجمعية بكل ما تملك من طاقة واخلاص. وهي المريضة التي لاتستطيع المجيء إلى مقر الجمعية وصعود درجاتها ، تقوم بكل ملتزمات الجمعية في منزلها تجلس بالساعات لإنجاز عملها وهي الأمين المالي، تتصل بالعضوات تحثهن لدفع اشتراكاتهن حتى وهي طريحة الفراش في مستشفى السلمانية تسأل وتتفقد أوضاع الجمعية.
هل حقاً ذهبتِ عنا يامريم البتول كما أطلق عليك أخوك عبد العزيز في قصيدته الرثائية…أنتِ يامريم في الوجدان تعيشين فيه أبد الآبدين.
في مطلع لقصيدة جبران خليل جبران يقول:
والبعض نحبهم
لأن مثلهم لا يستحق إلا الحب
ولا نملك أمامهم سوى أن نحب
فنتعلم منهم أشياء جميلة
ونرمم معهم أشياء كثيرة
ونعيد طلاء الحياة من جديد
ونسعى صادقين كي نمنحهم بعض السعادة
هذه أنت يامريم لن تنطفىء جذوة حبك ستبقى هذه الجذوة مشتعلة وسنحملها نبراساً ينير لنا الطريق، ويضيء لنا طريقنا الإنساني الذي سلكته طوال حياتك المفعمة بالعطاء الإنساني الجميل.
صديقة دربك
نعيمة مرهون