رب قائل: كم يشكل عدد أعضاء الجمعيات السياسية ذات الاتجاه الوطني – الديمقراطي، أو في عبارة أوضح: لو جمعنا عدد أعضاء «التقدمي» و«وعد» و«القومي» مجتمعين فكم سيبلغ العدد كاملاً، ومرمى السؤال واضح، أن العدد سيظل في كل الأحوال متواضعاً، لن يتجاوز الألف وربما أكثر قليلا، فهل هذا العدد جدير بأن يشكل الكتلة الديمقراطية التي ندعو لبنائها؟ المشكلة ان هذا المعيار الكمي في التحليل لا يطلقه خصوم التيار الديمقراطي أو المختلفين معه، سياسياً وفكرياً،وحدهم، وإنما يردده بعض منتسبي هذا التيار أنفسهم ، ليصلوا إلى خلاصة عدم جدوى التفكير في توحيد، أو حتى تنسيق، جهود مكونات هذا التيار. قرأت مرة للأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في المغرب اسماعيل العلوي اشارة نابهة على صلة بهذا الموضوع، وهو يتحدث عن واقع المغرب، وهو بالمناسبة واقع يشبه واقعنا في العديد من التفاصيل. يقول العلوي:«ان العبرة في التحالفات ليست في التضخيم المصطنع للتنظيمات وأعداد المناضلين، بل المبتغى هو ما ينتج عن دينامية الوحدة من حركية مجتمعية منفتحة على المستقبل، بمقدورها صهر مجهودات مناضلات ومناضلين ينحدرون من آفاق مختلفة، في قوة مادية موحدة، تمكن من تأطير وقيادة الحركة الاجتماعية من أجل التغيير». يمكن أن نضيف على هذا القول ان ما يبدو من ضعف عددي ظاهر في بنية الجمعيات الديمقراطية في البحرين لا يعبر عن كامل الصورة، فوراء هذا العدد المحدود نسبياً، يوجد سياج واسع من المؤيدين والمناصرين والأعضاء السابقين في التنظيمات الوطنية، إضافة الى قطاعات من النساء والشبيبة والطلبة والتكنوقراط والمثقفين وسواهم ممن يُعدون موضوعياً قاعدة اجتماعية، وانتخابية كذلك، للتيار الديمقراطي، بحاجة إلى استنهاض، وهي قابلة لمثل هذا الاستنهاض حين تلتفت فتجد قطباً ديمقراطياً موحداً ماثلاً أمامها، كما أشرنا في حديثنا أمس. تيار الحركة الوطنية الديمقراطية في البحرين قوي أيضاً بأمر آخر، هو الثقل النوعي الذي يمثله بما يمتلكه من كوادر وكفاءات وطاقات بشرية لا تتوفر عليها التيارات الأخرى، فبحكم الرؤية العصرية المتفتحة لهذا التيار، وتملكه لأدوات المعرفة والتحليل العلمي فانه أجدر واقدر من سواه من تيارات على تشخيص الواقع القائم واجتاح الاقتراحات والبرامج والحلول للتغلب على معضلات هذا الواقع سياسياً وتنموياً وثقافياً. على التيار الديمقراطي أن يلتفت بعناية وجدية للمطالبات التي تُوجه اليه من قطاعات مجتمعية آخذة في التزايد، ومن كتاب الرأي في الصحافة المحلية ومن مؤسسات المجتمع المدني بأن يتقدم لتبوء الدور المنتظر منه، فيبعد ثماني سنوات من التجربة النيابية التي هيمن الإسلام السياسي فيها على المشهد البرلماني، انكشفت الكثير من أوجه القصور في أداء كتله، ومحدودية الأفق الذي يمكن أن تذهب اليه. والأخطر من ذلك المخاطر التي تحملها برامج هذه الكتل على تراث الانفتاح والتقدم في المجتمع البحريني الذي كابدت أجيال من البحرينيين في سبيل بلوغه، فوجدنا السلطة التشريعية في قوامها الغالب تتأهب للارتداد عليه مستخدمة ما لديها من وسائل تأثير وابتزاز، ولنا في طبيعة الانشغالات البرلمانية على مدار هذه السنوات ما يؤكد جدية ما نقول. للحديث تتمة.
صحيفة الايام
7 ينانير 2010