فيما تصر قوى العنف على القنابل النووية ووضعنا في مضمار قتل ضيق، تعمل قوى النضال السلمية بضعف وتشتت وحيرة.
والسبب يعودُ لعقليتها العنفية المضمرة.
النضال السلمي لا حدود له، يوسع الأفق السياسي، يقوي ويقرب الخصوم، ينتج أساليب تقدم مستمرة، يحرر الشعوب وهي مقاربة لحالات تطور.
تعبرُ الجزائرُ عن فخرِها بثورة المليون ونصف المليون شهيد وكان يجب أن تقتدي وتفكرَ بعمقٍ لماذا حدثت هذه المأساة المروعة وبذلت كل هؤلاء الضحايا؟ فكرْ لو أن هؤلاء كانوا اخوتك، ماذا كنتَ ستشعرُ في هذا المصاب؟
ثم لم يترك الجزائريون فرنسا الاستعمارية وذهبوا إليها عاملين بظروف قاسية كأنهم لا يريدون ترك مستعمريهم المتقدمين الذين افتقدوا حضورهم في بلادهم المحررة.
لم يسأل خوارج الحاضر عن تأسيس المغرب الأوسط من قبل خوارج الماضي، فهو تاريخُ حدةٍ سياسية لم يجرِ فيه سلمٌ حضاري طويل.
عنزةُ غاندي كانت أكثر أهمية من مدافع الباكستان، وفي حين تصعدُ الهندُ إلى قمم التقدم الاقتصادي تتفككُ وتتمزق الباكستان ويكون فيها الأبطال أجساماً مفخخة وقتلى بجنون ولا أحدٌ يأبهُ لاحتضارِها السياسي.
لماذا لا تستفيدون من تجربة الاحتلال الإسرائيلي البغيض؟ هو مفيدٌ في جوانب لكم، يعلمكم كيف تتشربون وتتجاوزون اليهود في اقتصادهم وتقنياتهم ومعلوماتهم، هذه فرصتكم للتعلم من أكثر قوى الاستغلال في العالم ذكاءً، وهم أكثر المدارس خطورة ودهاءً في تاريخ الإنسانية، فحولوا شبابكم لعلماء وتقنيين، وحولوا متاجركم البائسة لمصانع صغيرة للمعلومات والتقنية، وأنتم أكثر نسلاً منهم ولستم أكثر ثقافة منهم حتى الآن، ولا تجعلوا المقاومة الدموية هي طريقكم فإنها استمرار للاستعمار وقضاء عليكم، وقد سبح اليهودُ في بحر التقدم الغربي وكان معهم رأس المال الطويل المكين، وعددهم ضئيل ونوعي متطور فوقفوا على رأس العالم الرأسمالي المسيطر على الكرة الأرضية وهم أقل الشعوب عدداً.
ألم نشبع من تاريخ التشنج؟
ولهذا فإن جماعات “النضال” في الجزيرة العربية والخليج يقضون على سبل التطور الوفيرة الغنية في المنطقة، فليست لهم من طرائق التغيير سوى الحرائق والدماء والسيارات المفخخة، والمذابح، وصارت القاعدة بطلة في المدارس الثانوية، وهي تحضرُ المزيدَ من قوى العسكر الغربيين إلى بيوت المحصنات المسلمات.
ضعْ قنبلةً واهرب وتقضي على الاستعمار والعدو وتحرر المسلمين وتنصرهم على أعدائهم الكفرة.
جملٌ سهلةٌ تدغدغُ عقولَ المراهقين وتطيرُ بهم في سماء البطولات، ويقتربون من أبطال المسلمين والمجاهدين والسلف، ولكنهم لا يفعلون سوى تمزيق هذه الدول، وزرع القواعد فيها، ونهب ثرواتها بتقوية الجيوش وتضخيم الميزانيات العسكرية، ولا يدرون أنهم مجرد مواد غبية في استراتيجيات دولية تريدُ حصدَ الأخضر النفطي وتركَ الأعشاب الصفراء المسمومة من حروبٍ أهلية ودمار بعد ذلك لهم.
إن تضخم العسكر على كل الضفاف العربية الإسلامية – الغربية هو المشروعُ المشترك الأكثر حضوراً وسيطرة، ويقوم الأولادُ الأغبياء بدورِهم المرسوم وهم يتمزقون ويفخخون الأسواق ويقتلون العرب والمسلمين خاصة.
في كل قنبلةٍ يزرعُها هؤلاء في المدارس والمعاهد والمتاجر والمعابد هي قفزة في وزارات “الدفاع” وهي توسع في مقابر العرب وقضاء على مشروعات تحررهم وتقدمهم.
هل تدري كم مومس ظهرت بعد إرهاب الجماعات المسلحة في أفغانستان؟
وكم عائلة باعتْ أعراضَها وبناتها؟ وكيف حول هذا أفغانستان لأرضٍ مدمرة وأي تحرير سوف ينتجُ – لو حدث – من كل هذا الدمار الاجتماعي وبيع البشر لأنفسهم وأعراضهم؟
نعم إن النضال السلمي هو بلا حدود، وفيه ألا نستكين لقوى خارجية وقوى داخلية استغلالية، وكلما تجذرنا فيه انفتحتْ سبلٌ جديدة، وتنامت قدراتُنا، وكانت مقاومتُنا أكثر صلابة وأوسع علماً.
والسلام لا يعني الاستسلام بل يعني تراكم قوانا وعدم حرق البشر والأرض في سبيلِ أهدافٍ سياسيةٍ يمكن بلوغها بتضحيات أقل.
أخبار الخليج 5 يناير 2010