بدت البحرين في احتفالات شهر ديسمبر غير اعتيادية هذا العام قياسا بالأعوام الماضية، فقد أولت الأجهزة الرسمية والأهلية درجة عالية من الترتيبات، لكي يبدو العقد الإصلاحي لجلالة ملك البحرين زاهيا ومعبرا عن المرحلة وانجازاتها، والتي شكلت نقلة نوعية في تاريخ البحرين المعاصر، خاصة وان البلاد عاشت لفترة تزيد عن الثلاثين عاما من الاحتقان والتوتر بين الحكومة والمعارضة السياسية، مما عطل ذلك الصدام والتوتر عملية التنمية وبحذر المؤسسات المالية العالمية من الدخول لبلد بدا لها غير مستقر كمكان هادئ يتوق له الاستثمار والرأسمال العالمي. غير ان صعود جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين إلى سدة الحكم بعد وفاة والده في العام 1999 قد أدخل البحرين في حقبة جديدة مختلفة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث توالت الخطوات الإصلاحية الواحدة بعد الأخرى، كمسألة الميثاق الوطني وصياغة دستور جديد وإعادة الحياة البرلمانية وإطلاق سراح المعتقلين وعودة المنفيين وإلغاء مرسوم قانون امن الدولة والاستعداد نحو انطلاقة جديدة لكي تبدأ البحرين عهدا مختلفا في ظل حكمه. من عرف البحرين سابقا وعرفها في العقد الزاهر، فانه بالإمكان تلمس حقيقة المتغيرات والتي تبقى قليلة بحجم طموح مشروع الملك الإصلاحي وحلم التغيير المنتظر في حياة الشعب، الذي يرى بأنه مازال في بداية الطريق وتنتظره السنوات القادمة تحديات كثيرة، على الحكومة والشعب استيعاب طبيعتها ومهماتها، ففي القرن الواحد والعشرين يتجه العالم نحو تحديات مختلفة أيضا، وعلى بلد صغير كالبحرين أن يتكيف معها ويستعد لتداعياتها ومفاجآتها المحتملة، فالمنطقة محاطة بألغام وتوترات عديدة. في عقد الإصلاح البحريني، استمع الناس لخطاب الملك الذي حمل من العناوين العريضة والموجهة للمؤسسات الرسمية قبل الشعبية. خطاب الملك والذي جاء بمناسبة مرور عشر سنوات على عيد جلوس جلالته والعيد الوطني الثامن والثلاثين، حاملا المغزى التاريخي للأوضاع الراهنة وكل السنوات الماضية، حيث توقف الخطاب عند ابرز المحاور. تبقى مسألة جوهرية تلك العناوين المستقبلية التي تعرض لها خطابه الملكي، مناشدا بصورة مباشرة وغير مباشرة الأجهزة التنفيذية بتحويل مرئياته في الدولة إلى واقع عملي، فما تبثه القيادة العليا من أفكار وتوصيات ورؤى فان على الوزارات والمؤسسات في كل قطاعاتها ومجالاتها أن تترجم ذلك الخطاب في صيغة برامج فعلية لكي تنسجم التوجهات الملكية مع آلية فعل ميداني من الجهات التنفيذية. واتسم الخطاب بأهم المحطات والموضوعات المركزية كمسألة التوسع العمراني وتوفير مصادر الطاقة الضرورية للسنوات القادمة واحتياجات التنمية المتزايدة، والبحث عن زيادة الاستثمارات للمملكة، مع ضرورة ترسيخ حالة الوئام والوحدة الوطنية في المجتمع وحماية المنجزات والمكتسبات التي تحققت خلال عهده. ومنح خطابه لثقافة القانون وسيادته أهمية قصوى لكي ينعم الجميع بحق متساو أمام القانون دون إي تفرقة أو تمييز، فكانت الإضاءة تلك محطة هامة لكي تزدهر العملية الديمقراطية وتتوطد باستمرار جنبا إلى جنب في ظل دولة القانون وثقافته المنشودة. كما أشار الخطاب إلى تفعيل دور الرقابة الإدارية وتعزيز الشفافية جنبا إلى جنب مع الرقابة المالية، وإصلاح التعليم وتطوير الخدمات الصحية، والاهم من كل ذلك ضمان الحقوق السياسية للمرأة وتعميق المسيرة الديمقراطية من خلال القناعات المشتركة، دون تلك الأمور لن تكون لا للبحرين ولا لمجلس التعاون حالة من الازدهار والتقدم في عصر التكتلات الكبرى. ما أشار له جلالة الملك في خطابه يحمل من الدلالات الكثير، خاصة وان تقرير ديوان الرقابة المالي سنويا يضع اصبعه على مواطن التقصير والفساد، دون أن يجد من الجهات المعنية التحرك اللازم والفعل المطلوب لتوجيهات جلالة الملك، مما يعطل عملية المسيرة الإصلاحية في مناحي عديدة. بدا الخطاب هذه المرة متمحورا ليس في انجازات الماضي والعقد المنصرم بقدر ما هو أيضا يراعي مستقبل الأيام القادمة، حيث الرؤية الاقتصادية الاستراتيجية 2030 تتطلب التركيز على محاور هامة من أهمها إنهاء المشكلة الإسكانية بأسرع ما يمكن بتوفير سكن لائق للمواطن البحريني وصون كرامته واحترام خصوصيته. كانت البحرين في ديسمبر 2009 محطة اهتمام دول الجوار خاصة وان الاحتفالات المحلية تلازمت مع قمة الكويت واحتفالات الإمارات بعيدها الثامن والثلاثين، مع مشاريع تناولتها الصحافة الخليجية والعالمية عن أحلام وطموحات ضخمة في المنطقة كمشروعي القطار الخليجي ومحطات الربط الكهربائي العملاقة بين دول مجلس التعاون، ليتحقق على ارض الواقع التكامل الاقتصادي التدريجي والتقارب والتلاحم السياسي والنقدي والمجتمعي والثقافي، من اجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
صحيفة الايام
5 يناير 2010