المنشور

من قضايا ما بعد قمة التعاون

تفاوتت آراء مختلف المتابعين لنتائج القمة الثلاثين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في الكويت يومي 14 و15 ديسمبر 2009 بين من بالغ في تقييمها إيجابا ومن وصفها بالخيبة والإخفاقات، وبين هذا وذاك من سعى لإعطاء تقييم موضوعي.
بسبب تغير الظروف الموضوعية التي حددت الدوافع الحقيقية لقيام مجلس التعاون قبل ثلاثة عقود فقد تطورت الأهداف التي وضعتها القمم المتتالية أمامها لصالح تلبية حاجات التطور الاقتصادي الاجتماعي لشعوب وبلدان المنطقة. ومع ذلك فلا حاجة للتدليل على أن التحرك نحو تحقيق هذه الأهداف كان بطيئا للغاية. وهذا ما انطبق أيضا على نتائج القمة الثلاثين. وأبطأ من ذلك كان السعي من أجل تطوير عملية الديمقراطية السياسية التي ظلت جامدة أو شبه جامدة في غالبية دول المجلس. ولأن العمليتين مترابطتين جدليا فلا إنجازات اقتصادية اجتماعية وطيدة بدون مشاركة شعبية سياسية لتحقيق هذه الإنجازات. ولعل في التناقض الحاصل بين العمليتين ما يفسر أنصاف الحلول التي تخرج بها قرارات القمة. وفي هذه المرة، حيث كانت الآمال الأكبر معقودة على قرارات الاتحاد النقدي والوحدة النقدية، ناهيك عن ماهية هذه العملة ومكونات احتياطيها فقد جاءت القرارات لتعبر عن إرادة سياسية مشتركة بين قادة للمجلس للسير على هذا الطريق فحسب، تاركين للزمن غير محدد الآجال إتمام إنجاز هذه المهمة الكبيرة. وبقيت شعوب المنطقة تردد بيت شعر التمني الشهير:
ليت هندا أنجزتنا ما تعد
وشفت أنفسنا مما تجد
حسنا، لنترك للزمن يقول كلمته. ولنصغ برهة لنداء الطفل حمد بوناشي لقادة القمة بتحقيق ولو مشروع خليجي مشترك واحد في كل عام. ولنتوقف عند هدف من الأهداف التي طرحها إعلان الكويت: ضمان الأمن الغذائي والمائي، بل عند الشطر الأول من هذا الهدف – الأمن الغذائي في ضوء التحديات التي تشهرها الأزمة العالمية في وجوهنا.
خبراء منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ‘’الفاو’’ يحذرون من أن مؤشر أسعار الغذاء المحسوب على أساس أسعار أهم السلع الغذائية مستمر في التصاعد خلال العام .2009 وفي نوفمبر الماضي ارتفع بمقدار 11 نقطة مسجلا الحد الأقصى السنوي 168 نقطة. ويخشون من أن هذا الاتجاه سيظل مستمرا خلال العام .2010 ومنذ منتصف العام الحالي تصاعدت أكثر من غيرها أسعار منتجات الألبان التي ارتفعت لأكثر من 70%. فالطلب على الحليب في تزايد، بينما تراجع إنتاجه في كثير من بلدان العالم وخصوصا في أميركا، مستورده الأكبر. ولهذا فإن أسعار هذا المشروب المفيد ستظل ترتفع أيضا لأنها لا تزال بعيدة عن المستوى الأقصى الذي بلغته في العام الماضي .2008 وقد ارتفعت أسعار منتجات الألبان في الوقت الحالي بنسبة 80% مقارنة بأدنى سعر كان عليه في فبراير من هذا العام. ولسوف تعتمد الأسعار لاحقا على ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيطرح احتياطاته من الزبدة والحليب في الأسواق العالمية. وفي حين تظل حصة الأسواق النامية من نمو الاستهلاك العالمي لمنتجات الألبان تشكل حوالي 96% فقد بينت معطيات شركة تتراباك العالمية المتخصصة في تعبئة المواد الغذائية أن معدل استهلاك الفرد في دول مجلس التعاون واليمن من هذه المنتجات بلغ 25 لترا سنويا مقابل 10 لترات فقط في عموم منطقة الشرق الأوسط العام .2008
ويقول تقرير الفاو إن من بين الحبوب ارتفعت بشكل خاص خلال الأشهر القليلة الماضية أسعار الأرز لتحقق زيادة بنسبة 20%، وهي سلعة غذائية ضرورية لشعوب مجلس التعاون. في الوقت نفسه نجد أن السعودية مثلا قد أبلغت في نوفمبر الماضي الموردين بوقف الدعم الحكومي للأرز، في حين حذر أحد الموردين ‘’أن الأسعار ستتأثر مستقبلا.. في حالة ارتفاع سعر الأرز عالميا من جراء ارتفاع الطلب العالمي..’’.
أما الرقم القياسي المطلق في تقرير الفاو فقد ضربه السكر الذي ارتفع سعره إلى الضعف بين بداية ونهاية العام الحالي. وفي الوقت نفسه تشير معطيات الأسواق الخليجية إلى أن أسعار الأرز في بعضها ارتفع منذ منتصف رمضان الماضي فقط إلى أكثر من 40%، ناهيك عن ارتفاعه عما قبل رمضان كالعادة.
وقد يرى بعض الخبراء المتفائلين في ارتفاع أسعار المواد الغذائية مؤشرا على بعض التعافي في الاقتصاد العالمي، لكن الأمر الأكيد هو أن هذا الارتفاع سوف ينعكس سلبا على جيوب غالبية سكان الأرض، بما في ذلك سكان دول مجلس التعاون. وها نحن أمام أحد التحديات الخطيرة التي تطرحها الأزمة العالمية. ومشروع الأمن الغذائي يمكن أن يشكل جوابا على هذا التحدي. فما الجواب العملي المحدد الذي سيقدمه قادة التعاون لممثل جيل المستقبل حمد بوناشي بهذا الخصوص في العام الجديد 2010؟ وبالمناسبة كل عام وأنتم بخير.
 
صحيفة الوقت
28 ديسمبر 2009