لسلامة موسى كتاب طريف اسمه “مقالات ممنوعة”، وأول ما يتبادر للذهن حين نقرأ عنوان الكتاب هو كيف تكون هذه المقالات ممنوعة طالما قد نشرت في كتاب؟! في المقدمة يجلي الكاتب الغموض أو اللبس، فالأصل أن هذه المقالات قدمها صاحبها للنشر في الصحف المصرية قبل ثورة 23 يوليو، ولكن الرقابة أو أصحاب الصحف تحفظوا على نشرها في حينه لأنها تمس موضوعات تعد في نطاق المحظورات أو على الأقل في نطاق مالا يُرغب في التعرض له عبر وسائل الإعلام، وعبر الصحافة خاصة. وكان الكاتب يحتفظ بنسخٍ من تلك المقالات التي لم تنشر، أو لعله يستعيد النسخ التي قدمها للنشر بعد أن يعرف قرار أصحاب تلك الصحف بعدم نشرها، فما أن تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال بعد عام 1952 حتى قام سلامة موسى بجمع هذه المقالات وأصدرها في كتاب تحت العنوان المشار إليه. وأذكر إني حين قرأت هذا الكتاب منذ سنوات طوال لا أذكر عددها، أحسست بأن الحديث فيها يدور عن قضايا لم تحل تماماً بعد الثورة، إذا ما تجاوزنا سطح التفاصيل ودخلنا إلى عمق الأشياء، ولعل المقالات نفسها لو كتبت بعد الثورة مبنية على تفاصيل جديدة فلربما كانت واجهت هي الأخرى مشكلة في النشر، رغم أن سلامة موسى كان من أكثر الكتاب المصريين حماساً لثورة يوليو، بل أنه في المقدمة كتب ما مفاده أن هذه المقالات ما كانت سترى النور لولا التغيرات التي شهدتها مصر بعد الثورة. غاية القول أن ثمة قضايا تظل عويصة على المعالجة أو المقاربة بصرف النظر عن طبيعة النظام الاجتماعي – السياسي في أي بلد، لأنه مهما كان الحديث عن سقف الحرية، يظل هذا “السقف” محكوماً باعتبارات وقواعد، تتبدل في الشكل أو المظهر، لكن لا تتغير في الجوهر. ومرة طالعت مقالة طريفة لكاتب عربي تحت عنوان “مطالع مقالات لم تكتب”، هي عبارة عن مجموعة مداخل أو استهلالات لمقالات شرع الكاتب في كتابتها، ثم أنه صرف النظر عنها، أو لم يكلمها، فاكتفى ببضع سطور أولى ثم توقف، وحين قرأت تلك المقاطع وجدته خليطاً من أفكار وقضايا وتعليقات لا يبدو منها إن ثمة أمراً خطيراً في ثناياها، ولكن الكاتب توقف عن القول حتى لا يقع في قول المحظور، أي أنه يتحاشى هذا المحظور وينأى بنفسه عنه. ويبدو لي أن هذا الكاتب يعبر عن معاناة عامة لكل الكتاب، خاصة أولئك المعنيين بالكتابة الدورية المنتظمة، حيث يتعين عليهم ملاحقة الفكرة والبحث عنها، لأنها وحدها لا تأتي، وما أكثر ما يتوهم الكاتب أنه أمسك بالفكرة، ويشرع في الكتابة عنها، ولكنه ما أن يخط السطور الأولى حتى يتيقن أن المضي أبعد مما كتب ليس ممكناً، لأن محظورات كثيرة تعترضه، فيقرر صرف النظر عن تلك الفكرة فيدخل معاناة البحث عن سواها. لذا تبدو “مطالع المقالات” التي لم تكتب أو لم تتم، مداخل مهمة للتعرف ليس فقط على ما كان يشغل ذهن الكاتب ولم يتمكن من انجازه، وإنما التعرف أيضاً على تلك العوائق أو الكوابح أو الموانع التي تجعل الفكرة تختنق عند سطورها الأولى.
صحيفة الايام
28 ديسمبر 2009