لقد تأملت كتاباتك عن المناضل الإنسان احمد الذوادي الذي صار في ذمة التاريخ ، ولم أجد تفسيرا ولا ادري إن كانت مواضيعك هذه استقراء أو استدلال، واعني هل استدلال على النيات التي لا يمكن معرفتها أو هي عملية تحليل ذهنية تتعلق بمجموعة أحداث وردود الأفعال أم هي إسقاطات لحالة أخرى معاشة غير احمد الذوادي ، وذلك من وقع العموميات التي طرحتها في السياق العام لحديثك عن المناضل احمد الذوادي ،
من فيصل عبدالجليل جعفر المرباطي
إلى الأستاذ / عبدالله خليفة المحترم
لقد تأملت كتاباتك عن المناضل الإنسان احمد الذوادي الذي صار في ذمة التاريخ ، ولم أجد تفسيرا ولا ادري إن كانت مواضيعك هذه استقراء أو استدلال، واعني هل استدلال على النيات التي لا يمكن معرفتها أو هي عملية تحليل ذهنية تتعلق بمجموعة أحداث وردود الأفعال أم هي إسقاطات لحالة أخرى معاشة غير احمد الذوادي ، وذلك من وقع العموميات التي طرحتها في السياق العام لحديثك عن المناضل احمد الذوادي ، خارج منظومة التفاعل المتبادل بينك وبين الذوادي من واقع أن أفعال ومواقف الذوادي كانت حافزا لردود أفعالك السلبية هذه نحوه ، على غرار الأحاديث الاستكشافية المبنية على فرضيات قد تكون خاطئة وملفقة لأسباب غياب أصحابها عن هذه الحياة ، وهنا تكون عملية التجني و المديح نسبية في هذه الظروف ، ولكن البديهة في الأحكام المعيارية تتطلب تقرير المصلحة الوطنية في إطارها السياسي وبعدها التاريخي ، من واقع أن القياد السياسية في مرحلتها الوطنية ليس بالضرورة أن تكون من الفئة ألأكاديمية ذات المؤهلات العلمية العالية لتمتلك أدوات التحليل حسب تقيمك للذوادي الذي نزعت عنه صفة القيادة ، وأدخلته في خانة البلادة إن لم اقل الجهالة حسب تعبيرك هذا : ((محدود الثقافة - يركزُ في الشعارات العامة - لا يغوص في جوانب الحياة ويستكشفُ أبعادَها – ولم تؤدِ فترة السجن بين 1974 و1979 إلى غنى فكري لديه – كان قليل القراءة – وليست لديه عقلية تحليلية واسعة – سيطرت على وعي أحمد عقلية تشاؤم سوداوية – تحول أغلب المناضلين لديه إلى مشبوهين )) هذا هو احمد الذوادي باختصار حسب تقييمك ، لذا حزنت شديد الحزن ، وتألمت شديد الألم حتى بكيت على شخص كنت أجده رمزاً وطنياً ، وكنت من الناس الذين يحبون احمد الذوادي لتلك البساطة والطيبة والابتسامة والصدق لدرجة الطهرانية المقدسة التي لا تفارق مخيلتي ، هكذا كنت أنظر لهؤلاء المناضلين الشرفاء من أمثال احمد الذوادي وعبدا لرحمن ألنعيمي واجدهم قيادات وطنية نزيهة وهي من أهم صفات القيادة السياسية حتى بالمفهوم الغربي : ( Leadership – قيادة ) كذلك (command ) فهذه الكلمات نجدها تحاكي اللغة العربية في مفهومها وأبعادها الأخلاقية والمعنوية ، فالقيادة تعني وفق هذه المصطلحات : (( مجموعة المواصفات الشخصية المحترمة من قبل الآخرين التي تجعل فردا ما قادر على تسيير مجموعة أنماط سلوكية لجماعة ما ، ومن مميزاتها حسب التصنيف الغربي تتضمن إخلاصا ظاهرا للقيم العليا وإخلاصا للحزب والأصدقاء وقدرة على عدم التحيز في الخلافات الداخلية .. )) هذه صفات احمد الذوادي فلم يكن نرجسياً ولم يبني إطاراً من الوهم حول نفسه بأنه المثقف أو نابغة زمانه كان بسيطاً مع الناس ولم يكن معزولا ، كان متحدثاً بلغة الناس البسطاء من العمال ومحبوباً لديهم ، هذا هو الذوادي كما عرفته ورأيته في مرات قليلة عند زياراتي لأخي محمد المرباطي في دمشق ، وأول مرة رأيته في بيت أخي في إحدى قرى السيدة زينب حينها لم أكن اعرفه ، اخذ يحدثني ويسأل عن صحتي ، قال أنا ابوقيس ( احمد الذوادي ) والأخ : قلت أنا فيصل اخو محمد ، سلم علي بحرارة : قال كأنك للتو قادم من البحرين ، وكان طوال فترة وجوده يبتسم ثم خرج مع أخي ، بعدها تكررت زياراتنا له في بيته بمنطقة صحنايا بإحدى ضواحي دمشق ، وفي احد المرات وجدت باب بيته مفتوحاً دخلنا ولم يكن أحدا في البيت ، كنت ألاحظ تصرف أخي وزوجته التي دخلت المطبخ واخذت تحضر الشاي والأكل ، وتعجبت حينها بداخلي كيف هذه الثقة ، وبعد حين قدم ابوقيس وكان برفقته شخص عراقي اسمه ( أبو أيوب ) وامرأة كبيرة في السن تدعى على ما أتذكر ( سمية ) كان يناديها بالرفيقة أم حنان ، بادرنا بالســـؤال قــائلاً بلهجة بحرينية : (( ها أم انس سويتي غده وين الجاي )) وجدته منهكاًً متعباًً كان يلهث ويتنفس بصعوبة ومصفر الوجــه خلالهــا قــال لأخـي : (( أبوانس ترى خلصت الموضوع إذا تا خذه للشباب .. الحين رايح دقيقتين أراجعه وأعطيك إياه )) لم اسأل ولم أتدخل في شأنهم ، المهم كان يبتسم ويقـول : (( اشلونك إن شاء الله مرتاح – إذا تعبان تمدد )) وبعد الغداء ودعناه والجماعة التي كانت معه وغادرنا نحو دمشق العاصمة ، ولطول المسافة أخذني الحديث مع أخي عن هذا الشخص الذي لم أصادف مثله : قلت لأخي من هو هذا الرجل ، قال ابوقيس ( احمد الذوادي ) قلت يا أخي كان متعباً : ليش ؟! قال لأنه اخذ جرعة كيماوي : قلت شنهو كيماوي ؟! قال بحسرة وألم : (( مع الأسف الأخ احمد مصاب بسرطان )) حينها حزنت وبقدر حزني أعجبت بهذا الشخص الذي يصارع الموت بإرادة الرجال الأبطال ، وبعد رجوع أخي للبحرين أول شئ طلبت منه زيارة احمد الذوادي الذي لم يفارق مخيلتي ، كما هو الحال بالنسبة لعبدا لرحمن ألنعيمي الذي أكن له ولزوجته أم أمل وأولاده ولتاريخهم كل الاحترام والمحبة والإخلاص وهكذا لأحمد الشملان . أتذكر إننا قمنا بزيارته في بيت أهله في الرفاع ، ثم قمت مع أخي بزياراته في السلمانية الى أن ودعته قبيل وفاته وكنت مشيعاً مع رفاقه ومحبيه .
هكذا ارتسمت في مخيلتي صورة هؤلاء المناضلين ، إلى أن جئت أنت يا أستاذ عبدالله ورميت بحجر فوق ذلك البحر الهادئ ، عندما قمت بتشويه هذه الشخصية التاريخية وجعلتني في شك من أمري ، ولكنني الجأ في هذه الأحوال لأخي ليصحح لي بعض تلك الضنون والشكوك ، بعد أن قمت أنت يا أستاذ عبدالله خليفة بكسرها وطحنها والتلاعب بماضيها وحاضرها وجدت نفسي مضطراً لكتابة هذه الكلمات ، واجدك من واقع أمانتك الصحفية سوف تنشرها كما هي في عمودك أو أي مكان آخر في ذات الصحيفة مع احترامي وتقديري لك .
الأستاذ عبدالله خليفة .. انا شخص عادي لكنني أقرأ واجل الكلمة ، لأن الكلمة جسد حامل لموضوع الوعي ، لذا استسمحك عذرا أن أقول الأستاذ عبدالله بدلا من الدكتور أو البروفسور عبدالله ، لأنني لا اعلم إن كنت دكتورا أو بروفسورا ، ولكنها اللغة العربية ، هذه اللغة العجيبة التي تقارب بين الفعل ونقيضه فالدكتور والبروفسور على وزن المغرور ، جميعها تنهي بحرفين : ( و ، ر ) وفي الدلالة اللغوية عند تركيب الحروف أو تعاكسها نجد أن حرفي ألـ : ( و – ر ) تصبح ( ور ) ومنها اشتقت كلمة ( أور ) أي الغراب على وزن النعيق ، ويقولون يوم ذي ( أوار ) أي سموم شديدة ، هكذا كان وقع كلامك على نفسي وعلى مشاعري التي كانت تجل وتحترم هؤلاء المخلصين الشرفاء عندما سرت سمومك على هذا النحو :
لقد قلت في احمد الذوادي ( ابوقيس ) ما لم يقله غيرك ، تقول أن أبو قيس كان يشكك في رفاقه ويقول : (( أن عليهم علامات استفهام – وتوصل إلى تحول التنظــيم إلــى بــؤرةٍ مريضــةٍ مليئة بالمشــبوهــين – ويجب مغادرته إلى بر الأمان – وتقول : هل كان ذلك نتاجُ اليأس أم السوداوية؟ أم صعوبة العيش ؟ أم عجز المستوى الفكري الشعاري عن تحليل الحياة السياسية المتنامية تعقيداً واضطراباً؟ هي كذلك في مزيج مركب – وتؤكد : أن الذوادي خرج من السجن في أوائل الثمانينيات متعباً – أسس حياة شخصية له بعيدة عن السياسة – كان لا ينطقُ بأي حرفٍ عن السياسة – وتوجه لتأسيس حياتهِ الشخصية – عاش في رعاية أخيه خالد الذوادي – كانت له شقة في القاهرة أيام النفي، استفاد من بيعها – وتقول : كان متشككاً في كل شيء – حذراً من أي شيء – بعدها تضعه في خانة الجبناء بقولك : كنتُ أعملُ في الصحافة وأكتبُ تحقيقات عن العمال والفقراء والإسكان وأفكار الساسة وأعمدة كثيرة، ولم ينطقْ بكلمة واحدةٍ عنها أو عن غيرها – بعدها ترمي به في خانة الجهالة بكلماتك هذه : في إحدى المرات كان يقرأ في كتاب لمهدي عامل وكانت تلك مظهر عافية وجدت بعد سنوات من الصمت لكن لم يعجبه الكتاب أو لم يفهمه، كان الكتاب يتجاوز في لغتهِ الغامضة المعقدة، رموزنا الخمسينية : ( أستاذي المحترم هل كان كتاب مهدي عامل هذا طلاسم بحيث تصعب على احمد الذوادي أو أي إنسان عربي عادي فك رموزها ، وذلك لكي لا نقع في إشكالية السؤال – لمن كان يكتب مهدي عامل – ) - ثم تجد فيه إضافة طفيلية لا داع لها بقولك : ((لم يُضفْ في زمن السبعينيات الذي سُجن في أغلبها أي معارف جديدة، أو منهجية متطورة – فظلتْ القراءاتُ التبسيطيةُ للواقع كما هي – وجاء الانقطاعُ في الثمانينيات عن القراءة الفكرية والجدل السياسي والكتابة، لتضيفَ إشكاليةً أخرى - كانت العودة للتنظيم بل رئاسته في دمشق تشكلُ مفاجأةً كبيرةً خاصة للمتابعين للشؤون التنظيمية والفكرية – كانت الاستنتاجات تُقام من خلال غياب القراءات أو من وجود قصاصات صغيرة – كنتُ أتصور أنه سوف يوظف الخبرة المتراكمة والملاحظات الكثيرة في السجن في تغيير بعض الوجوه وبعض الجوانب من السياسة ولكنه ذهب للأسوأ- التقيته كذلك في دمشق وبيروت، بعد عودته إلى منصب الأمين العام، وحاولتُ أن أرى تغييراً أو تذكراً للهواجس والمخاوف التي كنا نناقشها في السجن، فلم ألحظ شيئا – هذا المسار كان يعكس تخلفاً في متابعة الذوادي وغيره من المبعدين لمجمل الصراعات السياسية وجذورها وآفاقها المستقبلية – كتب أحمد الذوادي يدافعُ عن التعاون مع القوى الدينية – إن هذا المسار كان يعكس تخلفاً في متابعة الذوادي وغيره من المبعدين لمجمل الصراعات السياسية وجذورها وآفاقها المستقبلية – استماتَ في الدفاع عنها بشكل سياسي سطحي وقصير النظر – توجه الذوادي للنضال من أجل حقوق الناس والعمال وإصلاح الحياة مع القبول بحدود الميثاق، وثنائية الطائفية، مع الدعوة المستمرة إلى الوحدة الوطنية، لكن من دون تحليل لهذا الانحدار السياسي الطائفي العميق وأسبابه والمساهمين فيه – نجدُ في قراءتهِ، خاصةً في التصدي للبيان الصادر في تلك الفترة لنقد هذه العملية السياسية برمتهـا انه لا يوجد لديه أي تحليل لطابع هذه المعارضة التي تمثل أقصى اليمين المحافظ – إن هذا الثالوث كله مضر وبحاجة إلى رؤية وطنية مفقودة عند الطائفيين. هذا ما كان مفقوداً في رؤية الذوادي، الذي لم تسعفه الأدوات التحليلية البسيطة في قراءة الظاهرات المعقدة في الحياة السياسية )) ، هل هذا هو احمد الذوادي الذي عرفته لفترات قصيرة واحترمته لدرجة التقديس ، وإذا كانت الأدوات التحليلية البسيطة لم تسعف الذوادي حسب رأيك يا أستاذ عبدالله في قراءة الظاهرات المعقدة في الحياة السياسية، فهل هذه الأدوات أسعفتك في تشويه تاريخ هذه الشخصية المناضلة الشريفة التي ساهمت في تأسيس وفي نضالات الحركة الوطنية .
الأستاذ عبدالله خليفة ، إنني من المتابعين لكتاباتك بل ومن المعجبين في بعض الأحيان ، وكنت اعتقد أنها كتابات لصاحب مدرسة فكرية منهجية ، ولكنني رايتك متناقضاً في مسخك لشخصية الذوادي الذي اتهمته بمجارات الحركة الدينية في حين أنت الذي تجاري الحركة الدينية أكثر من أي علماني أو يساري أو حتى ديني في هذا البلد ، وعلى سبيل المثال أذكرك ببعض الفقرات من مقالاتك في هذا الصدد : (( إن الاحترام والدفاع عن هذه المقدسات وتقاليد المؤمنين، هما ضرورة، لأنها ميراث يعبر عن ضرورات تاريخية وكيانات شعوب وجذور أمم وتجارب نضالية كبرى، وهذه الأمم التي مرت بكل هذه المسارات الدينية المختلفة لابد أن تصل إلى التعاون الخلاق بينها، وتشكل اقتصادات مفيدة للجميع ، كل الأفكار والأديان موقرة وذات أهمية ومكانة سامية… )) )) الروحانيون حين توحدوا مع السلطات فقدوا روحانيتهم )) وكلامك هنا يعني دون شك أو لبس أن الروحانيون بين حالتين الإيجابية النضالية بغض النظر عن بعدهم الديني أو المذهبي والسلبية المهادنة البعيدة عن حقوق الناس ، وهذا تقييم في منتهى السطحية والبساطة خاصة لشخص مثلك يدعي التحليل العلمي وبجدلية التاريخ ، أنظر هنا كيف تدافع عن الأديان وعن الأنبياء وتهاجم المهاجمين لحد الابتذال والمزايدة على الدينيين بل والمؤمنين أنفسهم عندما تقول : ((أن الخطر يحدق بالأديان، وفيما كانت هي مصدر سمو وتقدم ، ويوجه البعض انتقاداته للأديان باعتبارها كوارث على الإنسانية، من خلال أفكار غير تاريخية وغير موضوعية، ويقدم الكثير من الدينيين مادة وفيرة لذلك، ولقد انتموا إلى الأديان ولكن كم من منهم واصل نضال الأنبياء وتضحياتهم؟ )) وفي معرض تمجيدك بالأنبياء تقول كما يقول المؤمن التقي بربه ودينه أنت هكذا تظهر في بعض كتاباتك ولنقرأ عبارتك هذه : (( إن نضالات الأنبياء تستمر بضعة عقود ولا تستطيع المراحل التاريخية والنخب السياسية والجماهير البسيطة أن تواصل تلك التضحيات، وتلك المآثر، إنهم طلائع وإشارات للبشر في تطورهم المعقد، ولكل مرحلة وتاريخ إمكانية الاستفادة والتأثر والتوظيف حسب الطاقات والإمكانيات والقراءات المختلفة )) لا بل تنتقد اؤلئك الذين ينتقدون ذوي الميول الدينية مثل دفاعك هذا : ((- يضعنا بعض وجهات النظر الجزئية غير الجدلية وغير المتحركة، في زنزانات سياسية، فهي تفصلُ فصلاً متعسفاً بين الحركة التقدمية والإسلام، فلديها أن الفكر الديمقراطي الحديث مناقض كليا للإسلام، وأن على التقدميين أن يصارعوا الدينيين بشكل كامل وساحق، أو أنه على الدينيين أن يتجاهلوا تطورات الحياة والتقدم )) ثم تشيد بالنواب الإسلاميين بقولك : (( أعطت الحياة البرلمانية الوجيزة فرصة للمقاربة بين التيارات المذهبية السياسية ووجدت نفسها لا تتحدث عن الفقه والأحكام بل تتحدث عن قضايا الناس ومشكلات الاقتصاد وجور الميزانية وقلة ما يُصرف على رفع حياة الناس المادية وغموض سياسة الاستقدام للعمالة الأجنبية وغيرها من القضايا التي يتقاربُ فيها كلُ الناس المواطنين ويريدون لها حلولاً )) إنك تتحدث عن مناضلين يدافعون عن حقوق الناس تحتم الضرورة التحالف والتعاون معهم ,هذا المنطق دلالة لحديثك هذا ، في حين وجدت في منطق الذوادي الضحالة والعفوية في أدواته التحليلية وفي تعاونه أو تحالفه مع التيارات الإسلامية الوطنية .
السيد عبدالله خليفة
قلت سابقاً إني رافقت أخي في زيارات لبيت الذوادي في أرياف دمشق ، ووجدت بيته مفتوحاً أي بابه مفتوحاً ، حينها سألت احمد الذوادي ( أبو قيس ) لماذا تترك باب بيتك مفتوح قال : (( ليس من عادات الناس هنا أن تسرق ، أجبته هل تعتقد يا أخ ابوقيس أن السرقة عادة أم هي حاجة ، قال لا أنها عادة انظر سكان هذه القرية من الدروز لم يعودوا أولادهم ولم يتعودوا على السرقة أو الكذب أو الافتراء – وأقول لك أن المحتاج لا يسرق إذا لم يكن معتادا على السرقة )) هذه العبارة أو الكلمات تجعلني أتساءل هل تشويه المناضلين والطعن في قدراتهم ونزاهتهم وتاريخهم بفعل العادة أو لحاجة ما ، وإذا كانت الحاجة تحتم ما كتبته أتمنى أن لا تكون إسقاطات لحالة أو لحدث آخر فأين أجدها ، هل في مقالاتك أو تلك المدونات الرومانسية المعتصمة في صومعة الزمان والمكان خارج ما تدعيه من طبقة عاملة وغيرها وتنسى أنك برجوازي صغير يعشق نفسه ويجدها فوق الجميع ، أحب لقاءك ولكن بعد الانتهاء من رياضتك المحببة للمشي على ممشى الفاتح .
أخيرا اسمح لي أن اختم كلامي بعبارة جميلة تهم اليساريين مــن البرجوازيـة الصغيرة لـ ( فتش ) في كتابة ( رسالة منطقية فلسفية ) : (( أن العمليات العقلية الباطنة هي ماورائية لا معنى لها ، ويقول : حاول ألا تفكر في الفهم بوصفه عملية عقلية على الإطلاق )).
أستاذي العزيز مهما بالغنا بطبائعنا الرومانسية فنحن لم نغادر الواقع بصفته المتخيلة في تضخيم الذات والمحيط عندما نتحدث عن الطبقة العاملة والتقسيم و الصراع الاجتماعي ، وكأننا في الهند أو دول أمريكا اللاتينية أو مصر ، لذا فمن البديهي أن القضايا التي نتحدث عنها في الغالب لا تمت للواقع بصلة وقد تكون تخيلات البرجوازية الصغيرة كمقدمات لحالة من الوهم أو ناتج من فكر لا يمتلك خصائص عقل نقدي ، ومجمل ما تقوله أنت وغيرك مجرد أوهام بعيدة عن الواقع ، لسبب أن الفكر ينفصل عن أسباب مؤثراته سواء داخل الذات أو خارجها ولأن الوعي يا أستاذي الكريم هو الحيز المتوسط بيننا وبين الوجود ، وهذا ما تعلمته من الذوادي الذي يذكرني بالأمل وبالحياة وهو على شفير الموت ، وتعلمت منه أن الحياة إرادة حتى ولو كان بينك وبين الموت لحظات ، هكذا كان ابوقيس .
مع تحيات احد تلاميذك
فيصل عبدالجليل جعفر المرباطي
Faisalj72@hotmail.com
24/ 12 / 2009